للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شبهة نفي حلول الحوادث والرد عليها]

تكلم أولاً: على بعض الشبهات التي يروجها نفاة صفات الله تعالى، فمن شبهاتهم قولهم: إن الله منزه عن حلول الحوادث، فإذا سمع ذلك الجاهل اعتقد أنهم صادقون واعتقد أن الله لا يجوز أن تحل به الحوادث، فإذا سلم ذلك ووافق عليه قالوا: لا يجوز أن يوصف بالكلام الحادث، ولا أن يوصف بأنه يحدث له غضب، ولا رضا، ولا أن يحدث له كراهية أو سخط وما أشبه ذلك، فينفون الأفعال الاختيارية بحجة أنها حادثة والحادث لا يوصف به الرب، وعندهم أن الرب قديم لم يحدث منه شيء، ولا يجوز أن يوصف بصفة تحدث، وموافقتهم على هذه القاعدة خطأ.

فإذا قالوا: القاعدة تنزيه الله عن حلول الحوادث، فيقال لهم: ماذا تريدون؟ إن أردتم أن الله لا يحدث له صفة لم تكن موجودة في الأزل فهذا صحيح، فإن الله تعالى يسمى خالقاً قبل وجود المخلوقين ورازقاً قبل أن يكون هناك من يرزقهم، وهو المحيي والمميت قبل أن يوجد الخلق الذين يحيي منهم من يشاء ويميت منهم من يشاء، يعني: أنه متصف بالفعل أزلاً وإن لم تكن المفعولات موجودة، فإن الذي يكون قادراً على الفعل يصح أن يوصف به ولو لم يزاوله، فإذا رأيت إنساناً ساكتاً صامتاً قلت: هذا الإنسان متكلم، أي أنه ليس أخرس، ولو كان في تلك الحال صامتاً، يعني أنه متكلم بالقوة، فكذلك يقال: الله يحيي ويميت، أي: أنه متصف بصفة القدرة على الإحياء والإماتة والخلق والرزق والتصرف والتدبير قبل أن توجد المخلوقات، ولكن بعد وجود هذه المخلوقات فإن الله تعالى يميت من يشاء ويحيي من يشاء، ويرزق هذا ويفقر هذا ويغني هذا، ويصح هذا ويسقم هذا، ويرفع هذا ويخفض هذا، وكل هذه صفات حادثة، فأصل الصفة موجود ليس بحادث ومفرداتها حادثة.

كذلك نقول: الله تعالى متكلم في الأزل ويتكلم إذا شاء، ليس معناه أنه تكلم أزلاً ثم انقطع كلامه، بل كلام الله قديم النوع حادث الآحاد.