[ضلال الرافضة في بغضهم لأكثر العشرة المبشرين بالجنة]
قال الشارح رحمنا الله تعالى وإياه: [وقد اتفق أهل السنة على تعظيم هؤلاء العشرة وتقديمهم لما اشتُهر من فضائلهم ومناقبهم، ومَن أجهلُ ممن يكره التكلم بلفظ العشرة أو فعل شيء يكون عشرة؛ لكونهم يبغضون خيار الصحابة وهم العشرة المشهود لهم بالجنة، وهم يستثنون منهم علياً رضي الله عنه، فمن العجب: أنهم يوالون لفظ التسعة، وهم يبغضون التسعة من العشرة! ويبغضون سائر المهاجرين والأنصار من السابقين الأولين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة وكانوا ألفاً وأربعمائة، وقد رضي الله عنهم كما قال تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}[الفتح:١٨] ، وثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة) ، وفي صحيح مسلم أيضاً عن جابر أن غلام حاطب بن أبي بلتعة قال: يا رسول الله! ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كذبت! لا يدخلها، فإنه شهد بدراً والحديبية) ، والرافضة يتبرءون من جمهور هؤلاء، بل يتبرءون من سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من نفر قليل نحو بضعة عشر نفراً! ومعلوم أنه لو فرض في العالم عشرة من أكفر الناس لم يُهْجر هذا الاسم لذلك، كما أنه سبحانه لما قال:{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ}[النمل:٤٨] لم يجب هجر اسم التسعة مطلقاً، بل اسم العشرة قد مدح الله مسماه في مواضع من القرآن:{تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}[البقرة:١٩٦] ، {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ}[الأعراف:١٤٢] ، {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ}[الفجر:١-٢] ، وكان صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وقال في ليلة القدر:(التمسوها في العشر الأواخر من رمضان) ، وقال:(ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من أيام العشر) يعني: عشر ذي الحجة، والرافضة توالي بدل العشرة المبشرين بالجنة اثني عشر إماماً: أولهم: علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويدعون أنه وصي النبي صلى الله عليه وسلم دعوى مجردة عن الدليل، ثم الحسن رضي الله عنه، ثم الحسين رضي الله عنه، ثم علي بن الحسين زين العابدين، ثم محمد بن علي الباقر، ثم جعفر بن محمد الصادق، ثم موسى بن جعفر الكاظم، ثم علي بن موسى الرضا، ثم محمد بن علي الجواد، ثم علي بن محمد الهادي، ثم الحسن بن علي العسكري، ثم محمد بن الحسن، ويغالون في محبتهم ويتجاوزون الحد! ولم يأت ذكر الأئمة الاثني عشر إلا على صفة ترد قولهم وتُبْطله وهو ما خرَّجاه في الصحيحين عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً.
ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت عليَّ فسألت أبي: ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: كلهم من قريش.
وفي لفظ: لا يزال الإسلام عزيزاً باثني عشر خليفة.
وفي لفظ: لا يزال هذا الأمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة) ، وكان الأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، والاثنا عشر: الخلفاء الراشدون الأربعة، ومعاوية، وابنه يزيد، وعبد الملك بن مروان وأولاده الأربعة وبينهم عمر بن عبد العزيز، ثم أخذ الأمر في الانحلال.
وعند الرافضة أن أمر الأمة لم يزل في أيام هؤلاء فاسداً منغَّصاً، يتولى عليهم الظالمون المعتدون، بل المنافقون الكافرون، وأهل الحق أذل من اليهود! وقولهم ظاهر البطلان، بل لم يزل الإسلام عزيزاً في ازدياد في أيام هؤلاء الاثني عشر] .
قد ذكرنا من فضائل الصحابة سيما العشرة أنهم اجتمعت فيهم الثلاث البشائر: البشارة الأولى: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (عشرة في الجنة) ، وذَكَرَهم كما تقدم.
البشارة الثانية: أنهم من أهل بدر، وقد قال الله تعالى لأهل بدر:(اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم) .
البشارة الثالثة: أنهم من أهل البيعة، قال الله تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}[الفتح:١٨] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة) .
فهذه البشارات الثلاث كلها داخل فيها هؤلاء العشرة، بل هم أولى بها وأقدم، وغيرهم من الصحابة الذين حضروها لهم فضل ولهم سابقة، فأهل بدر الذين شهدوا وقعة بدر كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر، هؤلاء قد قال الله لهم:(اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم) والرافضة تدعي أنهم ارتدوا وكفروا إلا علي ونفر قليل، والذين بايعوا تحت الشجرة هم ألف وأربعمائة وزيادة، بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، وأخبر الله بأنهم بايعوا ربهم في قوله:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[الفتح:١٠] ، وفي هذا شرف لهم وشرف للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى قال بعض المتأخرين في مدحهم ومدح النبي صلى الله عليه وسلم: كيف السبيل إلى تقضي مدح مَن قال الإله له حسبك جاها إن الذين يبايعونك إنما حقاً يقال يبايعون الله فأي مدح أشرف من هذا المدح؟!