الجهمية قالوا: إن العبد ليس له حركة، وحركاته ليست اختيارية، بل اضطرارية، ويُسمون المجبرة، فهؤلاء سلبوا العبد قدرته، وسلبوه اختياره، وجعلوا حركات يديه أو ركوعه أو سجوده أو جنايته أو سكره أو نحو ذلك اضطراراً إجباراً ليس له أي اختيار، وقالوا: إنما هو بمنزلة أغصان الشجرة التي تحركها الرياح، وبمنزلة حركة المرتعش الذي ترتعش يداه ولا يقدر على إمساكها، هكذا جعلوا حركاته! فجعلوا طاعاته ومعاصيه خارجة عن استطاعته، وليس له أي اختيار، وأبطلوا بذلك الأوامر والنواهي، وأبطلوا بذلك الشريعة كلها، ومع ذلك فإنهم متناقضون، وقد مر بنا كثير من تناقضهم؛ وذلك لأنك لو ضربت أحدهم، واحتججت بالقدر؛ ما عذرك في ضربك، ولا تركك تضربه، فكذلك أيضاً نقول: لا تحتج بالقدر على فعل المعاصي وترك الطاعات، بل عليك أن تزاول الفعل بقدر استطاعتك التي منحك الله، فالله أعطى الإنسان استطاعة بها يزاول الأفعال، ولولا تلك الاستطاعة لما حصل تكليف بهذه العبادات وبهذه الأفعال، ولو نفيت لبطلت الشريعة.