لا شك أن الإنسان إذا ابتلي بالحسنة فعليه أن يشكر، وإذا ابتلي بالسيئة فعليه أن يصبر، فإذا أصابته النعمة والرخاء والثروة والغناء وكثرة المال والولد والصحة والرفاهية والخيرات التي تسره وتجلب له الحياة السعيدة فلا يعتقد أن هذا لكرامته، بل يعتقد أنه ابتلاء من الله له، إما أنه جزاء على أعمال عملها، وثواب لحسنات عملها، فيكون قد عجلت له حسناته، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يخافون إذا وسعت عليهم الدنيا ويقولون: نخشى أن تكون طيباتنا عجلت لنا.
والخيرات والرفاهية التي فيها الناس الآن قد تكون حسناتهم وأعمالهم الصالحة عجلت لهم، ولا يبقى لهم في الآخرة ثواب، ويمكن أن تكون هذه الحسنات والنعم والرخاء التي أعطيها الناس في هذه الأزمنة جزاء على أعمالهم الصالحة، مع ادخار الأجر لهم، فالله تعالى يثيب الصالحين والمؤمنين بثواب في الدنيا، ولا ينقص ثوابهم في الآخرة، فيجمع لهم بين الحسنتين: حسنة الدنيا وحسنة الآخرة، ويمكن أن تكون هذه الخيرات، وهذه النعم التي أصابها الناس في هذه الأزمنة، وهذه التوسعة والرفاهية والنعم ابتلاء، فإن الله تعالى يبتلي بالخير كما يبتلي بالشر، فيبتلي بالحسنات ويبتلي بالسيئات، فالابتلاء بالحسنات لأجل أن يظهر من العبد هل يشكر أم يكفر، كما حكى الله تعالى عن سليمان أنه قال:{هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}[النمل:٤٠] .
فهذه النعم التي فتحت علينا من فضل الله علينا ليبتلينا هل نشكر أم نكفر، فإذا عرفنا أنها من الله شكرنا، وإذا عرفنا أنها بحاجة إلى شكر استعملناها فيما يحبه الله تعالى، وبذلك تثبت، وبذلك نكون من الشاكرين لها، فهذا هو الابتلاء بالخيرات.
أما الذين انخدعوا بها، واعتقدوا أن ذلك دليل على كرامتهم، فإنهم هم المحرومون، هم الذين تعجلوا ثواب أعمالهم في الدنيا، واعتقدوا أن ما فتح عليهم وما أمدهم الله به دليل على كرامتهم، وعلى فضلهم، وعلى شرفهم، وعلى رفعة منزلتهم ونحو ذلك، وقد وقع هذا للأولين، فحكى الله عن قارون أنه قال:{إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي}[القصص:٧٨] أي: أوتيته على شرف، أوتيته على منزلة رفيعة، أو أوتيته لأني محبوب ومحظوظ عند الله، ولهذا {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[القصص:٧٩] هؤلاء هم الذين نظرتهم دنيوية، ولم يعلموا أن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الآخرة إلا من يحب.
فإذا عرف العبد أن الابتلاء بالخيرات ليس دليلاً على الكرامة، بل إما أنه لحسنات عملها فيثاب عليها في الدنيا ولا يبقى له في الآخرة شيء، وإما أنه لأجل أن يختبر هل يشكر أم يكفر، وإما أنه تعجيل أو توسعة عليه في الدنيا، ولا ينقص أجره في الآخرة، فإذا شكر الله تعالى علم كيف يقابل الحسنات الدنيوية.