للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفاوت المؤمنين في الولاية]

قال المؤلف: [والولاية أيضاً نظير الإيمان، فيكون مراد الشيخ أن أهلها في أصلها سواء، وتكون كاملة وناقصة؛ فالكاملة تكون للمؤمنين المتقين، كما قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَة} [يونس:٦٢-٦٤] .

فـ (الذين آمنوا وكانوا يتقون) منصوب على أنه صفة أولياء الله، أو بدل منه، أو بإضمار: أمدح، أو مرفوع بإضمار (هم) ، أو خبر ثان لـ (إن) ، وأجيز فيه الجر بدلاً من ضمير (عليهم) .

وعلى هذه الوجوه كلها فالولاية لمن كان من الذين آمنوا وكانوا يتقون، وهم أهل الوعد المذكور في الآيات الثلاث، وهي عبارة عن موافقة الولي الحميد في محابه ومساخطه، ليست بكثرة صوم ولا صلاة، ولا تملق ولا رياضة.

وقيل: الذين آمنوا: مبتدأ، والخبر: لهم البشرى، وهو بعيد؛ لقطع الجملة عما قبلها، وانتثار نظم الآية.

ويجتمع في المؤمن ولاية من وجه، وعداوة من وجه، كما قد يكون فيه كفر وإيمان، وشرك وتوحيد، وتقوى وفجور، ونفاق وإيمان، وإن كان في هذا الأصل نزاع لفظي بين أهل السنة، ونزاع معنوي بينهم وبين أهل البدع، كما تقدم في الإيمان.

ولكن موافقة الشارع في اللفظ والمعنى أولى من موافقته في المعنى وحده، قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦] وقال تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:١٤] الآية، وقد تقدم الكلام على هذه الآية، وأنهم ليسوا منافقين على أصح القولين.

وقال صلى الله عليه وسلم: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر) وفي رواية (وإذا اؤتمن خان) بدل: (وإذا وعد أخلف) أخرجاه في الصحيحين، وحديث: شعب الإيمان تقدم.

وقوله: (يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) ، فعلم أن من كان معه من الإيمان أقل القليل لم يخلد في النار، وإن كان معه كثير من النفاق، فهو يعذب في النار على قدر ما معه من ذلك، ثم يخرج من النار.

فالطاعات من شعب الإيمان، والمعاصي من شعب الكفر، وإن كان رأس شعب الكفر الجحود، ورأس شعب الإيمان التصديق.

وأما ما يروى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من جماعة اجتمعت إلا وفيهم ولي لله، لا هم يدرون به، ولا هو يدري بنفسه) ، فلا أصل له، وهو كلام باطل، فإن الجماعة قد يكونون كفاراً، وقد يكونون فساقاً يموتون على الفسق] .