قال الشارح رحمه الله: [وأما كون عطف العمل على الإيمان يقتضي المغايرة، فلا يكون العمل داخلاً في مسمى الإيمان، فلا شك أن الإيمان تارة يذكر مطلقاً عن العمل وعن الإسلام، وتارة يقرن بالعمل الصالح، وتارة يقرن بالإسلام، فالمطلق مستلزم للأعمال، قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}[الأنفال:٢] ، وقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}[الحجرات:١٥] ، وقال تعالى:{وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ}[المائدة:٨١] .
وقال صلى الله عليه وسلم:(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) الحديث، (لا تؤمنوا حتى تحابوا) ، (من غشنا فليس منا) ، (من حمل علينا السلاح فليس منا) ، وما أبعد قول من قال: إن معنى قوله: (فليس منا) أي: فليس مثلنا! فليت شعري فمن لم يغش يكون مثل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه!.
أما إذا عطف عليه العمل الصالح، فاعلم أن عطف الشيء على الشيء يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه مع الاشتراك في الحكم الذي ذكر لهما، والمغايرة على مراتب: أعلاها: أن يكونا متباينين، ليس أحدهما هو الآخر، ولا جزءاً منه، ولا بينهما تلازم، كقوله تعالى:{خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}[الأنعام:١] ، وقوله تعالى:{وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ}[آل عمران:٣] ، وهذا هو الغالب.
ويليه: أن يكون بينهما تلازم، كقوله تعالى:{وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:٤٢] ، وقوله تعالى:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}[المائدة:٩٢] .
وفي مثل هذا وجهان: أحدهما: أن يكون داخلاً في الأول، فيكون مذكوراً مرتين.
والثاني: أن عطفه عليه يقتضي أنه ليس داخلاً فيه هنا، وإن كان داخلاً فيه منفرداً، كما قيل مثل ذلك في لفظ الفقراء والمساكين ونحوهما، تتنوع دلالته بالإفراد والاقتران.
الرابع: عطف الشيء على الشيء لاختلاف الصفتين، كقوله تعالى:{غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ}[غافر:٣] وقد جاء في الشعر العطف لاختلاف اللفظ فقط، كقوله: فألفى قولها كذباً وميناً.
ومن الناس من زعم أن في القرآن من ذلك قوله تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}[المائدة:٤٨] ، والكلام على ذلك معروف في موضعه] .