للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مراتب المحبة وما يوصف الله تعالى به منها]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمحبة مراتب: أولها: العلاقة، وهي تعلق القلب بالمحبوب.

الثانية: الإرادة، وهي ميل القلب إلى محبوبه وطلبه له.

الثالثة: الصبابة، وهي انصباب القلب إليه بحيث لا يملكه صاحبه كانصباب الماء في الحدور.

الرابعة: الغرام، وهي الحب اللازم للقلب، ومنه الغريم لملازمته، ومنه: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} [الفرقان:٦٥] .

الخامسة: المودة والود، وهي صفو المحبة وخالصها ولبها، قال تعالى: {سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم:٩٦] .

السادسة: الشغف، وهي وصول المحبة إلى شغاف القلب.

السابعة: العشق، وهو الحب المفرط الذي يخاف على صاحبه منه، ولكن لا يوصف به الرب تعالى ولا العبد في محبة ربه، وإن كان قد أطلقه بعضهم.

واختلف في سبب المنع، فقيل: عدم التوقيف.

وقيل غير ذلك، ولعل امتناع إطلاقه أن العشق محبة مع شهوة.

الثامنة: التتيم.

وهي بمعنى (التعبد) .

التاسعة: التعبد.

العاشرة: الخلة، وهي المحبة التي تخللت روح المحب وقلبه.

وقيل في ترتيبها غير ذلك، وهذا الترتيب تقريب حسن لا يعرف حسنه إلا بالتأمل في معانيه.

واعلم أن وصف الله تعالى بالمحبة والخلة هو كما يليق بجلال الله تعالى وعظمته كسائر صفاته تعالى، وإنما يوصف الله تعالى من هذه الأنواع بالإرادة والود والمحبة والخلة حسبما ورد النص.

وقد اختلف في تحديد المحبة على أقوال نحو ثلاثين قولاً، ولا تحد المحبة بحد أوضح منها، فالحدود لا تزيدها إلا خفاء، وخفاء هذه الأشياء الواضحة لا تحتاج إلى تحديد كالماء والهواء والتراب والجوع والشبع ونحو ذلك] .

هذا من جملة كلام أهل السلوك الذين يتكلمون في العبادات القلبية، وقد أشرنا إلى أن ابن القيم رحمه الله قد أشار إلى ذلك في كتبه، في (روضة المحبين) ، وفي (طريق الهجرتين) ، وفي (مدارج السالكين) ، وذكر تعريفات للمحبة، وذكر أيضاً ترتيبات المحبة أو أقسامها، وهي هذه الأقسام العشرة التي أولها العلاقة، ثم الصبابة، إلى آخرها التي هي الخلة، وجعل هو وغيره هذا الترتيب تقريبياً، ومنهم من قدم بعضها على بعض، ولا شك أنها أسماء لأنواع من المحبة، أي: أن منها ما يكثر استعماله ومنها ما لا يكثر، ومنها ما لا يجوز إطلاقه على الله تعالى كالعشق، والصحيح ما علله به من أنه محبة مع شهوة.

والله تعالى يوصف بالمحبة وبالخلة وبالإرادة وبالمودة، يوصف بهذه الأربعة من العشرة، أما البقية فلم ترد، فلا يجوز أن تستعمل في حق الله تعالى، فالصبابة مثلاً والعلاقة والعشق وما أشبهها، هذه مستعملة اصطلاحياً في أنواع من المحبة.

ولا شك أن المحبة أمر قلبي يجده الإنسان من قلبه، حيث يميل إلى المحبوب بعض الميل، ويعرض محبوبه على نفسه أو يواسيه بنفسه، ويكون له من الأثر ذلك الميل، وهناك بعض الأسباب التي استدعت ذلك، وقد تكون أسباباً ظاهرة كإحسان ونحو ذلك؛ فإن القلوب تألف وتحب من أحسن إليها، والله تعالى هو الذي أحسن إلى عباده، وهو الذي خولهم وأعطاهم، فإذا أحبوه كان سبب المحبة هو الإحسان، كما أنك تحب من أحسن إليك.

وقد تكون المحبة لأسباب قاصرة غير متعدية، كأن تحب أي إنسان لصلاحه وإن لم ينلك منه نفع دنيوي، ولكن رأيته صالحاً وتقياً وزاهداً وورعاً وعابداً فأحببته لذلك، وجعلت محبتك له عبادة تؤمل الثواب عليها، حيث إنه يحب الله وأنت تحبه فتحب من يحبه.

وهكذا محبتنا لربنا لا شك أن أعظم أسبابها كونه الذي يملك العباد، وهو الذي يتصرف فيهم، فهذه من أسباب محبتهم له، وأنه هو الذي وعد من أحبه وعبده بالثواب، ومن لم يفعل ذلك توعده بالعقاب، فكان هو أهل المحبة وأهل المودة التي تحبه القلوب وتوده، ويكون لها آثار كما سبقت الإشارة إليه، وأن الذي يحب الله تعالى يطيعه ويعبده، وتظهر آثار ذلك على البدن في كثرة عبادته، وفي نضرة خلقته، وفي تأثره بذلك من كثرة العبادة ونحوها.