أهل البدع جماعات كثيرة، وقد تكون لهم قوة وكثرة واجتماعات، وقد يتفوقون في بعض الأحيان على أهل السنة، وقد يزيدون عليهم عدداً أو عدة أو قوة، ولكن هل يقال: إنهم على الجماعة؟ هل يقال: إنهم أهل الجماعة؟ هل يقال: إنهم أهل السنة؟! ليس كذلك، بل هم أهل فرقة، وهم أهل بدعة، وهم أهل ضلالة، ولو كثر عددهم، ولو كثرت جماعاتهم، ولو حصلت لهم قوة معنوية، أو قوة حسية، فإنهم ليسوا من أهل الجماعة، وليسوا من أهل السنة، فأهل السنة والجماعة هم من كان على مثل ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويقلون ويكثرون، وأحياناً يمكن الله لهم، فيرجع ضالهم، ويرشد غاويهم، فيكثرون على الحق، ويتمسكون به، ويسيرون عليه، وأحياناً يكثر أعداؤهم فيضلون الخلق، ويشتتون الجماعات، ويقل المتمسكون بالسنة، ويصيرون أفراداً، فلا يعرفون، وربما يستخفون بمذهبهم، ويكنونه ولا يجهرون به، ومن جهر به أوذي وطرد واضطهد وسجن وشرد وهرب، وهو مع ذلك على السنة، وعلى العقيدة وعلى التوحيد، وعلى الدين الإسلامي، وعلى الصراط المستقيم، ولكن إذا قويت البدع وقويت المنكرات في بعض البلاد تسلط أهلها على أهل الحق واستضعفوهم، وساموهم سوء العذاب، ولكن النصر والتمكين لهم، والعاقبة للتقوى، إذا صبروا واحتسبوا، وما أصابهم في ذات الله وفي دينه كان رفعاً لدرجاتهم، وإعظاماً لأجرهم.
يحصل في هذه الأزمنة اضطهاد كثير لأهل الحق، وإذلال لهم، واتهام لهم بالثورات وبالانقلابات على الدولة، وأنهم يريدون السلطة، وكذلك مطاردتهم في الأسواق وغيرها، وكل من رؤي متمسكاً بالسنة وعاملاً بها اتهم بالاتهامات البعيدة، وأدخل السجون وضرب، وفرضت عليه الضرائب التي تثقل كاهله وما أشبه ذلك، كما هو موجود في كثير من الدول التي تنتمي إلى الإسلام، وهذا لا يدل على أن هؤلاء ليسوا على الحق، بل هم على حق، وإذا صبروا كان ذلك أعظم أجراً، ولا يدل على أن تلك الأمم والشعوب والدول التي أظهرت خلاف الحق، وانتهجت الباطل؛ على حق وصواب، فالعبرة لسيت بالكثرة، إنما العبرة بالإصابة، العبرة في الحق لمن كان مصيباً للحق ومتمسكاً به، هذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة.