للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بطلان القول بأن السماء قبلة الدعاء]

هذا اعتراض اعترض به النفاة، قالوا: تقولون: إن رفع الأيدي في الدعاء دليل على صفة العلو، وأن الإشارة بالإصبع في التشهد دليل على صفة العلو، فيقولون: نحن نجيب ونقول: إنما رفعت الأيدي إلى السماء؛ لأن السماء قبلة الدعاء، لا أن الله فوق السماء، ولا أن الله فوق العباد، كما أن الكعبة قبلة الصلاة كذلك السماء قبلة الدعاء، هذا اعتراضهم.

واعترضوا أيضاً بالسجود، قالوا: السجود: وضع الجبهة على الأرض، وهذا دليل على أن الله ليس فوق العباد، وإلا لما وضعوا جباههم على الأرض.

سمعنا الجواب، وهو واضح والحمد لله، وخلاصته: قولهم: إن قبلة الدعاء هي السماء.

قول باطل، بل الصحيح أن قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة، من أراد أن يستجاب دعاؤه فليستقبل القبلة التي هي الكعبة، وليست السماء قبلة الدعاء، ولو كانت قبلة الدعاء لاستقبلها الداعي بوجهه، ولم يكتفِ برفع يديه، فرفع اليدين دليل على أنه يشعر بأن ربه فوقه، وأنه هو الذي يعطيه، والقبلة إنما هي ما يستقبل بالوجه، كما أن المصلي يستقبل الكعبة أو جهة الكعبة بوجهه.

جواب آخر وهو: أن القبلة تقبل النسخ، فقبلة الصلاة بعد أن كانت إلى بيت المقدس نسخت إلى الكعبة، فإذا كانت القبلة تقبل النسخ دل على أن هذه أيضاً تقبل النسخ، ورفع الأبصار إلى السماء، وكذلك رفع الأيدي إلى السماء، وكذلك رفع القلوب إلى السماء؛ أمر فطري لا يمكن أن ينسخ، وليس كمثل قبلة الصلاة.

ثم يذكر الشارح أنهم اعترضوا بقولهم: لو كان في السماء لما سجدوا بوجوههم على الأرض.

و

الجواب

السجود على الأرض ليس لأن الله تحت العباد تعالى الله عن ذلك، وإنما السجود يشعر العبد في صلاته أنه متواضع لربه، فإن أعلى شيء في الإنسان وجهه، وهو أكرم أعضائه عليه، فإذا وضعه على الأرض تواضعاً وذلاً وخضوعاً دل ذلك على تعظيمه لربه، وحينئذ يرحمه ربه، ويغفر له ذنبه، حيث إنه تواضع هذا التواضع، وشعر من نفسه بالاستكانة وبالضعف وبالفقر والفاقة إلى ربه، ومن الأسباب التي شرعت السجدة لأجله أن يشعر العبد في صلاته بالعبودية، فإن مبنى الصلاة على العبودية والذل لله، فالقيام فيه ذل وتواضع، والركوع فيه انحناء وخضوع، والسجود فيه تعبد وذل وانكسار بين يدي ربه، وليس لأجل الاعتقاد أن الرب تعالى في جهة التحت، وإنما هذا عقيدة من انتكست فطرته، كما نقل الشارح رحمه الله عن بشر بن غياث المريسي، وهو من أكابر المعتزلة والجهمية أتباع الجهم بن صفوان الذين ينكرون الصفات، وينكرون أن القرآن كلام الله.

هذه المقالة السيئة التي نقلت عنه تقشعر منها الجلود، وهذا دليل على أن زيغ القلوب والإصابة بالانتكاس من عقوبات الابتداع، لما طبع الله على قلوبهم، ووقعوا في هذا الابتداع صدق عليهم قول الله في هذه الآية التي سمعنا: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:١١٠] قلب الله أفئدتهم عندما لم يؤمنوا به، فلم يستفيدوا مما سمعوا، فتعالى الله عن قولهم وعن معتقداتهم السيئة.