[قوله تعالى:(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي)]
قال الله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}[الإسراء:٨٥] قيل: إن هذه الآية نزلت لما أرسلت قريش إلى يهود المدينة من يسألهم عن أمر محمد صلى الله عليه وسلم، فجاء أولئك الرسل إلى اليهود، فقال اليهود: سلوه عن ثلاثة أشياء، سلوه عن فتية خرجوا من بلادهم فإن لهم أمراً عجيباً، يعنون أصحاب الكهف، وسلوه عن رجل طوّاف طاف بالمشرق والمغرب، يعنون ذا القرنين، وسلوه عن الروح، فأنزل الله هذه الآية جواباً لسؤالهم.
وقيل: إن اليهود الذين بالمدينة مر بهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوكأ على عسيب، ومعه ابن مسعود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فقالوا: ما هي الروح يا محمد؟! فوقف قليلاً، يقول ابن مسعود: فاتكأ على عسيبه وعلمت أنه يوحى إليه، فقال بعد قليل:( {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}[الإسراء:٨٥] ) ، فأجابهم الله تعالى بأن الروح غير معلومة لكم، ولا يمكنكم إدراكها ولا معرفة ماهيتها، وذلك دليل على عظمة الله وعجيب قدرته، حيث نوع المخلوقات، فجعل منها ما يرى، ومنها ما لا يرى، وجعل منها أجراماً، وجعل منها أرواحاً، وجعل منها جماداً، وجعل منها متحركاً حياً متقلباً، فهذا بلا شك دليل على كمال قدرة الله عز وجل، وأنه على كل شيء قدير، ودليل على قصر علم الإنسان، فقد قصر باعه في العلوم، فلا يطلع على المغيبات، ولا يصل بفكره ولا بأمره ولا ببحثه إلى الأمور التي أخفاها الله عليه، وعلى هذا ليس له أن يتدخل في أمور الغيب، وليس له أن يتخرص فيها.