[الشر يرجع إلى عدم الخير وهو من هذه الجهة شر لا من جهة وجوده المحض]
فاعلم أن الشر كله يرجع إلى العدم، أعني: عدم الخير وأسبابه المفضية إليه، وهو من هذه الجهة شر، وأما من جهة وجوده المحض فلا شر فيه؛ مثاله: أن النفوس الشريرة وجودها خير من حيث هي موجودة، وإنما حصل لها الشر بقطع مادة الخير عنها، فإنها خلقت في الأصل متحركة، فإن أعينت بالعلم وإلهام الخير تحركت به، وإن تركت تحركت بطبعها إلى خلافه، وحركتها من حيث هي حركة خير، وإنما تكون شراً بالإضافة لا من حيث هي حركة.
والشر كله ظلم، وهو وضع الشيء في غير محله، فلو وضع في موضعه لم يكن شراً، فعلم أن جهة الشر فيه نسبية إضافية، ولهذا كانت العقوبات الموضوعة في محالها خيراً في نفسها وإن كانت شراً بالنسبة إلى المحل الذي حلت به، لما أحدثت فيه من الألم الذي كانت الطبيعة قابلة لضده من اللذة مستعدة له، فصار ذلك الألم شراً بالنسبة إليها، وهو خير بالنسبة إلى الفاعل حيث وضعه في موضعه.
فإنه سبحانه لم يخلق شراً محضاً من جميع الوجوه والاعتبارات، فإن حكمته تأبى ذلك، فلا يمكن في جناب الحق تعالى أن يريد شيئاً يكون فساداً من كل وجه لا مصلحة في خلقه بوجه ما؛ هذا من أبين المحال، فإنه سبحانه الخير كله بيديه، والشر ليس إليه، بل كل ما إليه فخير، والشر إنما حصل لعدم هذه الإضافة والنسبة إليه، فلو كان إليه لم يكن شراً فتأمله! فانقطاع نسبته إليه هو الذي صيره شراً.
فإن قيل: لم تنقطع نسبته إليه خلقاً ومشيئة؟ قيل: هو من هذه الجهة ليس بشر، فإن وجوده هو المنسوب إليه، وهو من هذه الجهة ليس بشر، والشر الذي فيه من عدم إمداده بالخير وأسبابه، والعدم ليس بشيء حتى ينسب إلى من بيده الخير] .