[الاختلاف الواقع بين الأئمة الأربعة]
الأئمة الأربعة الذين هم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد اختلفوا اختلافاً كثيراً، وتعرفون الكتب المؤلفة بحيث إن هناك أربعة أقوال في المسألة الواحدة؛ ولكن بعضهم يصلي وراء بعض، ولم يضلل بعضُهم بعضاً.
فمثلاً الإمام مالك يقول: لا تُقرأ البسملة في الصلاة لا سراً ولا جهراً.
والإمام الشافعي يقول: يُجهر بها، ومع ذلك هو يروي عن مالك ويقول: هو شيخي أروي عنه، ولو كنت قد خالفته في هذا.
والإمام أحمد يقول: تقرأ سراً ولا يُجهر بها، والبسملة في الفاتحة وفي السورة.
وهذا الاختلاف لم يسبب تقاطعاً بينهم، بل كل منهم يروي عن الآخر، فالإمام أحمد يروي عن الشافعي، فيأخذ من آرائه ومن اجتهاداته، والشافعي يروي عن مالك، فيعترف به ويروي عنه في مسنده، وكذلك بقية العلماء.
وهكذا الخلاف الذي وقع بين أبي حنيفة ومالك، فمثلاً اختلفوا في تقدير الصاع، فقال أبو حنيفة: الصاع ثمانية أرطال، وقال مالك: الصاع خمسة أرطال وثلث، ومع ذلك كل منهما يرى أن له اجتهاده.
واختلافهم في الزكاة، واختلافهم في مسائل كثيرة من الحج، واختلافهم في علة الربا وما أشبه ذلك.
ولا نضللهم في هذه الاختلافات، بل نقول: إن هذا مما أدى إليه اجتهادهم، وهم في ذلك كله بذلوا وسعهم فيدخلون في قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر) .
الذي أصاب لا شك أنه بذل جهداً وتوسع في البحث والتنقيب، أو كان أمكن وأقوى وأفهم وأقدر؛ فوفقه الله فأصاب الحق، فله أجران: أجر الاجتهاد، وأجر الإصابة.
أما الذي أخطأ وقد بذل وسعه في البحث فله أجر الاجتهاد، يفوته أجر الإصابة، ويُعذر إذا أخطأ؛ ولكن ليس كل أحد يكون أهلاً للاجتهاد، بل إنما يجتهد في المسائل ويبحث فيها من يكون عنده القدرة والاستطاعة على البحث، وعلى الوصول إلى الصواب، وعلى عين المسألة المطلوبة، فأما إذا كان قاصراً في مثل هذه الأشياء فلا يليق أن يُمكن من الاجتهاد، ولا يقال: إنه من أهل الاجتهاد وإنه أصاب.
وبكل حال: الخلاف في فروع المسائل مشهور ومدون -والحمد لله- في الكتب الفقهية، وكل يأخذ مما تيسر منه، فإن وجدت المسألة فيها خلاف بين الشافعي وأحمد مثلاً أو بين مالك وأبي حنيفة فإنك تنظر أيها أقرب إلى الصواب، وأيها أمكن في نفسك، وأقرب إلى الإصابة والدليل، فتأخذ بها، ولا تأخذ بمجرد الميل، ولا بما تهواه النفس، بل ترجع إلى ما هو الأولى والصواب، وبذلك تكون موفقاً إن شاء الله.