[تقدير انتفاء المماثلة بين الخالق والمخلوق تغني عن إثبات الفارق عند ذكر الصفات]
قال رحمه الله: [فينبغي أن تعرف هذه الدرجات: أولها: إدراك الإنسان المعاني الحسية المشاهدة.
وثانيها: عقله لمعانيها الكلية.
وثالثها: تعريف الألفاظ الدالة على تلك المعاني الحسية والعقلية.
فهذه المراتب الثلاث لابد منها في كل خطاب؛ فإذا أخبرنا عن الأمور الغائبة فلابد من تعريفنا المعاني المشتركة بينها وبين الحقائق المشهودة والاشتباه الذي بينهما، وذلك بتعريفنا الأمور المشهودة، ثم إن كانت مثلها لم يحتج إلى ذكر الفارق، كما تقدم في قصص الأمم، وإن لم يكن مثلها بين ذلك بذكر الفارق، بأن يقال: ليس ذلك مثل هذا، ونحو ذلك.
وإذا تقدر انتفاء المماثلة كانت الإضافة وحدها كافية في بيان الفارق، وانتفاء التساوي لا يمنع وجود القدر المشترك الذي هو مدلول اللفظ المشترك، وبه صرنا نفهم الأمور الغائبة، ولولا المعنى المشترك ما أمكن ذلك قط] .
يقول: لابد في معرفة المعاني من معرفة الألفاظ، فلو كنا لا نعرف كلمة (سمع) ما فهمنا قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء:٥٨] ، ولو كنا لا نعرف المعنى الذي تفسر به الكلمة، وهو أن السمع إدراك الأصوات، ما فهمنا أيضاً المعنى الذي دلت عليه الجملة، ولو كنا نسمع كلمة (سمع) ونفسرها ولكن لا ندري ما مدلولها، ما فهمناها ولا انتفعنا بالكلام.
فيقال: أولاً: علينا أن نعرف أن المعاني واضحة تفهم بمجرد فهم اللغة، فيفهم المسلمون إذا قيل في أوصاف الله عز وجل إنه المهيمن، أنه رقيب على عباده، ويفهمون أنه يراهم إذ قال: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:٢١٨-٢١٩] ، وإذا قرءوا قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق:١٥-١٦] فهموا أن ذلك تخويف، وأنه لا يخفى عليه من أمورهم خافية، ولو كانوا لم يتصوروا هذا القرب وذلك لأنه من الأمور الغيبية، إنما القصد منه التخويف حتى يحذر الإنسان إذا عرف أنه عليه رقيب.
فإذا عرفنا مدلول الكلمة وعرفنا كيف تفسر، فإننا ندرك ثبوت الصفة، ولكن لا نفهم التشبيه، فلا نفهم أن صفة المخلوق كصفة الخالق، فلا نقول: إن الله يسمع كسمعنا، ويبصر كبصرنا، وله يد كأيدينا، ما الذي سبب معرفتنا لهذا الفرق؟
و
الجواب
أن صفات المخلوق إذا أضيفت إليه تناسبه، وصفات الخالق إذا أضيفت إليه تناسبه، فالإضافة كافية في إثبات الفرق، فيكتفى بها ويقال: إذا كانت ذات الرب تعالى ليست كذوات المخلوقين، فكذلك صفاته ليست كصفاتهم، سواء الصفات الفعلية أو الصفات الذاتية، فيعتقد المسلمون أن هذا كاف في إثبات الفرق بين صفة وصفة.