أما الأشاعرة ومثلهم الكلابية فيسمون الصفاتية، والذي سماهم بهذا الاسم المعتزلة، فالمعتزلة والجهمية ينكرون الصفات كلها، فلما أن الأشاعرة والكلابية أثبتوا سبع صفات وهي: العلم والإرادة والقدرة والحياة والسمع والبصر والكلام، سمتهم المعتزلة الصفاتية.
والصفاتية منهم الكلابية أتباع محمد بن سعيد بن كلاب، وكذلك الأشاعرة أتباع أبي الحسن الأشعري، وهؤلاء أنكروا الصفات الفعلية، فأنكروا قول الله تعالى {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم}[المائدة:١١٩] ، {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم}[الفتح:٦] ، {فَلَمَّا آسَفُونَا}[الزخرف:٥٥] ، وقوله {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُم}[غافر:١٠] فأنكروا المقت والأسف والحب والبغض والغضب والرضا والكراهية والسخط والرحمة وما أشبهها، وكان سبب إنكارهم لها -على زعمهم- لأنها حوادث، والله لا تحل به الحوادث، ويعللون بهذا التعليل في كتبهم قديماً وحديثاً.
وكان من آخر علمائهم عالم مصري يقال له: زاهد الكوثري، الذي مات في أواسط القرن الماضي، فهو في تعليقاته على كثير من الكتب، وفي تحقيقاته لها ينكر هذه الصفات، ويرد على من أثبتها بأنهم جعلوا الله محلاً للحوادث، بمعنى أنه حدث عليه الرضا بعد أن لم يكن راضياً، وحدث عليه المحبة بعد أن لم يكن محباً، وحدث عليه السخط بعد أن لم يكن ساخطاً، وحدث عليه المقت بعد أن لم يكن ماقتاً، والكراهية بعد أن لم يكن كارهاً، وهكذا، هذا معنى قولهم: إنه محل للحوادث.
ونحن نقول: ليس كذلك، بل الله تعالى يحب إذا شاء ويبغض إذا شاء وله المشيئة التامة، كما قال تعالى {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّه}[الإنسان:٣٠] ، فجعل له المشيئة والإرادة متى شاء، وكذلك أيضاً أخبر بأنه يكره متى شاء ويغضب متى شاء ويرضى إذا شاء، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله يغضب في وقت دون وقت، وذلك في حديث الشفاعة الذي يأتي فيه أهل الموقف إلى الأنبياء طلباً للشفاعة فيقولون:(يا آدم! اشفع لنا إلى ربك، فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباًلم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله) وهكذا يقول نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، فأثبتوا أن الله تعالى غضب في ذلك اليوم غضباً شديداً، أي: على أولئك الذين وافوه بالكفر والشرك، ووافوه بالمعاصي والمخالفات، فلابد أن ينتقم منهم وأن يعذبهم وأن ينزلهم دار عذابه التي يستحقونها، فما ورد في هذا الحديث دل على مخالفة قول ابن كلاب ومن معه من أن الغضب لا يكون في وقت دون وقت.
فهؤلاء الصفاتية يقولون: هذه الصفات لا تتغير، فإن كان موصوفاً بالغضب فالغضب صفة له دائمة، وإن كان موصوفاً بالرضا فالرضا صفة له دائمة، وعلى هذا يكون موصوفاً بأنه غاضب وبأنه راض دائماً في آن واحد، وبأنه محب ومبغض في آن واحد، وكاره وراض في آن واحد، فيجمعون بين النقيضين، ويجعلونها صفات ملازمة له، فخالفوا بقولهم الأدلة، والتي فيها ما جاء في قول الله لأهل الجنة:(أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً) ، فدل على أنه رضي عنهم رضاً مستمراً، وأن هذا الرضا هو الذي أحله بهم في دار الكرامة، وهو أكبر نعيم لهم، قال الله تعالى في سورة التوبة {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}[التوبة:٧٢] أي: أكبر نعيم لهم هو هذا الرضا عنهم، فهذا دليل على أن الله يرضى إذا شاء ويغضب إذا شاء، وكذلك نقول في بقية الصفات.