سمعنا ما حكاه الشارح أن بعضاً من الزهاد أو العباد إذا تنسك وتعبد فإنه يطلب من ربه أن يجري على يديه كرامة، ويحزنه إذا رأى فلاناً وفلاناً وسمع فلاناً وفلاناً جرت على أيديهم كرامات وخوارق عادات، فيبقى منكسراً، ويكثر من فعل الأسباب أو السؤال عن الأسباب التي تحصل له مثل هذه الكرامة، ويبقى حسيراً إلى أن يحصل على يديه شيء مما حصل على أيدي أمثاله.
فنقول: إن الأولياء والصالحين من عباد الله وعلماء الشريعة وعلماء الأئمة لم يكونوا يهتمون بأمور الكرامات، بل قد تجري على أيديهم بدون أن يطلبوها، وهم لا يطلبونها، ولا يحزنون لعدمها، فلا يحزن لعدم جريان كرامة على يديه إلا ضعفاء الإيمان ونحوهم.
وأما استجابة الدعاء فلا شك أن المسلم إذا دعا الله تعالى وأخلص في دعائه، ثم لم ير لدعائه أثراً فإنه يحزنه، ومع ذلك نقول له: لا تنقطع عن الدعاء، بل أكثر من دعاء الله تعالى، فإن دعوتك ولو لم تجب، ولو لم تر أثرها، فهذا لا يدل على أنك مردود، ولا تدل على أنك لست من أولياء الله، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المسلم إذا دعا الله تعالى فإن ربه يعطيه بدعوته أحد ثلاثة أشياء: إما أن يعجل له دعوته وما طلب، وإما أن يدفع عنه من الشر مثلها، وإما أن يدخرها له في الآخرة، فلا يخيب أحد إذا دعا الله تعالى، فليس شرطاً أن تجاب دعوتك كلما دعوت الله سبحانه وتعالى، وليس كل من أجيبت دعوته يحكم عليه بأنه مستجاب الدعوة أو بأنه ولي من أولياء الله.
وعلى كل حال نقول: إن هذه الكرامات وخوارق العادات التي يجريها الله تعالى على أيدي بعض عباده هي إما ابتلاء وامتحان، وإما لحاجة ألمت بهم، وإما لفضيلة وميزة حصلوا عليها، ولا تكون دائماً، بل قد يحتاج أحدهم إلى كرامة أو إلى إجابة دعوة فلا تحصل له؛ لبعض الموانع ولبعض الأسباب كغيرهم من بني الإنسان.