المنافقون الذين يضمرون الكفر ويظهرون للناس أنهم مؤمنون، لا ندري ما في بواطنهم، فنصلي عليهم عملاً بالظاهر، فهم يصلون معنا، ويجاهدون معنا، ويصومون ويفطرون مع المسلمين، فإذا كانوا يضمرون الكفر في نفس الأمر فأمرهم بينهم وبين الله.
لكن إن اطلع على نفاق حقيقي بأن نجم النفاق من هذا الإنسان وظهر منه ما يدل على نفاقه وإضماره الكفر، وأنه ما أسلم ولا عمل هذه الأعمال إلا تستراً؛ فإنه والحال هذه يحكم بكفره، ولا يصلى عليه، قال الله تعالى:{وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}[التوبة:٨٤] نهاه الله أن يصلي على المنافقين الذين يعلم نفاقهم، والذين أطلعه الله عليهم؛ لأنه قد أطلعه على بعضهم، وبعضهم لم يعلمهم كما قال تعالى:{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ}[التوبة:١٠١] فالنبي عليه الصلاة والسلام لا يعلم أعيانهم، وإنما الله تعالى هو الذي يعلم أعيانهم فأطلعه على بعضهم، فالذين أطلعه على بعضهم نهاه أن يصلي عليهم، وأطلع عليه الصلاة والسلام حذيفة بن اليمان على بعض المنافقين الذين هموا بما لم ينالوا، فسماهم وأسرهم إلى حذيفة، فكان حذيفة يسمى صاحب السر، وكان إذا قدمت جنازة مشكوك فيها لم يصل عليها عمر حتى يرى حذيفة يصلي عليها، فيعلم أنه ليس من المنافقين.
فإذا عرف أن هذا منافق، يؤذي الله ورسوله، ويؤذي المؤمنين، ويسب الإسلام -وإن كان يتظاهر أنه مع المسلمين- فلا يصلى عليه والحال هذه، بل إذا اطلع على حاله وزندقته فإنه يقتل؛ لأن ذلك ردة منه وتبديل للدين، فإنه (من بدل دينه فاقتلوه) .
وكذلك أيضاً لا يصلى على أهل البدع الذين يظهرون بدعهم، مثل الرافضة الذين يظهرون للناس أنهم يحبون الإسلام، وأنهم يحبون القرآن وما أشبه ذلك، ولكنهم في الحقيقة يضمرون بغض الله وبغض رسوله، أو يضمرون بغض الصحابة الذين حملوا كتاب الله، ويعتقدون أنهم حرفوا كتاب الله وكذبوا على رسوله، ويبغضون أهل السنة، فمثل هؤلاء أعداء لله، ويعتبرون منافقين؛ لأنهم في الحقيقة يضمرون الكفر أو يضمرون البغض، ويعملون بما يسمونه التقية التي هي نوع من النفاق، وأشباههم من الملاحدة الذين يشك في عقيدتهم، فتترك الصلاة عليهم زجراً عن أفعالهم وعن معتقداتهم.