للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إذا اجتهد العالم فأخطأ فله أجر]

هناك مسائل فيها مجال للاجتهاد، ولأجل ذلك اختلفت فيها آراء العلماء، واختلفت فيها المذاهب، فذهب فيها الصحابي الفلاني إلى كذا، والصحابي الآخر إلى كذا، وذهب فيها الإمام أبو حنيفة إلى كذا، والإمام مالك إلى كذا، والشافعي إلى كذا، هذه المسائل فيها مجال للاجتهاد والاختلاف، وقد حصلت بسبب اختلاف الأفهام، واختلاف الآراء، وسعة المعلومات أو قلتها، فهذا هو السبب، ونحن نعذر الذين خالفوا الدليل، وأفتوا بخلافه، نعذرهم ونقول: هذا ما وصل إليه اجتهادهم، فهم قالوا عن اجتهاد، وقد اضطروا إلى القول فيها، وإلى الحكم بما يلزم السائل، وكانت واقعة لابد من الفتيا فيها، فاجتهدوا، ولو خالفوا الدليل فهم معذورون بهذا الاجتهاد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد عذر المجتهد في قوله: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد) يعني: على اجتهاده يعني: أنه معذور ومغفور له ذلك الخطأ، ومع ذلك يحصل له هذا الأجر.

ولكن ليس ذلك لكل أحد، فالذي لم يتأهل للاجتهاد، ولم يصل إلى رتبة المعرفة، ولم يكن من أهل الإتقان، ولم يعرف مراجع المسائل، ولا تفاصيل الأدلة، ولا وجوه الاستدلال، ولا ثبوت الأدلة أو عدم ثبوتها، ولا يعرف الجمع بين مختلفها، ولا يعرف متقدمها ومتأخرها، ولا يفرق بين خاصها وعامها، ومطلقها ومقيدها وما أشبه ذلك؛ فهذا لا يفتي إلا بالشيء الذي قد اتضح عنده حكمه كالشمس، أما الباقي فعليه أن يتوقف حتى لا تنطبق عليه هذه الآيات التي استدل بها الشارح رحمه الله، وكذلك الآيات التي أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم برد العلم إلى الله، مثل قوله: {قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} [الكهف:٢٦] ، فنحن نقول: الله أعلم، ونقول كما قالت الملائكة: {لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة:٣٢] .

والله تعالى يذم الذين يجادلون في آيات الله بغير علم، فدل على أنهم إذا كان عندهم علم وجادلوا فإنهم يجادلون مجادلة حسنة، وأما الذين يجادلون بغير علم فإنهم مذمومون: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [الحج:٣-٤] يعني: أنه في هذه المجادلة قد اتبع الشيطان.

وبكل حال فالعلوم والحمد لله مدونة وموجودة وميسرة، والعلماء هم الذين يعرفون مراجعها، ويعرفون الراجح منها والمرجوح، ومن كان معه أهلية، وأخذ العلم من مظانه؛ فله أن يقول به، ولا يتبع غيره ممن لم يتمكن؛ ومن لم يكن عنده أهلية رجع إلى أهل العلم، وقال بما قالوا به، أو بما وصلت إليه أفهامهم واجتهاداتهم.