للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[امتناع شرك الربوبية عند عموم الخلق إلا من شذ منهم]

قال رحمه الله: [ولما كان الشرك في الربوبية معلوم الامتناع عند الناس كلهم باعتبار إثبات خالقين متماثلين في الصفات والأفعال، وإنما ذهب بعض المشركين إلى أن ثم خالقاً خلق بعض العالم، كما يقوله الثنوية في الظلمة، وكما يقوله القدرية في أفعال الحيوان، وكما يقوله الفلاسفه الدهرية في حركة الأفلاك أو حركات النفوس أو الأجسام الطبيعية، فإن هؤلاء يثبتون أموراً محدثة بدون إحداث الله إياها، فهم مشركون في بعض الربوبية، وكثير من مشركي العرب وغيرهم قد يظن في آلهته شيئاً من نفع أو ضر بدون أن يخلق الله ذلك] .

يقول: إن الشرك في توحيد الربوبية قليل وجوده في الخلق، إلا أن هناك من يشرك شركاً جزئياً، مثل المجوس الذين أشركوا في توحيد الربوبية وجعلوا الخلق من اثنين من النور والظلمة، واعتبروا أن النور خلق الخير والظلمة خلقت الشر، ولم يجعلوهما سواء، بل النور خير والظلمة شريرة، وهم لا يعظمون إلا واحداً، ولهذا فهم يعبدون النار، ومثل بعض المعتزلة الذين يجعلون بعض المخلوقات من إيجاد الحيوانات، ويقولون في الأفعال: إن الإنسان يخلق أفعاله بدون قدرة الله؛ والمجوس يجعلون الوجود عن خالقين، والمعتزلة يجعلونه عن عدد، ولذلك سمي المعتزلة: مجوس هذه الأمة، ولو زعموا أنهم ينزهون الله تعالى عن الظلم؛ لأن عملهم نوع شرك في الربوبية، وإن كانوا لا يعبدون إلا الله، ولكن كونهم يسندون بعض الأفعال إلى غير الله ويقولون: إن الإنسان يخلق فعله، صدق أنهم مشركون نوع شرك في الربوبية.

وعلى كل حال: فالأصل أن الأمم كلهم يعترفون بتوحيد الربوبية، إلا من شذ، كفرعون الذي كان ينكر ذلك ولكنه كان في باطن الأمر يعترف بأنه مخلوق وأن له خالق، ويوجد في هذه الأزمنة من يسمون بالشيوعيين، وقديماً كانوا يسمون بالدهريين، وهم في الحقيقة معاندون مكابرون، وإلا فلو أعملوا تفكيرهم، ولو حكموا أذهانهم لما بقوا على هذه العقيدة السيئة، ولكن مع المكابرة قلدوا من يقول بها ومن يذهب إليها، فالأصل أن جميع طبقات العالم المكلفين يعترفون بأن للعالم خالقاً، حتى الفلاسفة وإن كانوا ينقسمون إلى دهريين وإلهيين؛ جلهم على الاعتراف بالخالق.