المبتدعة قسموا الآيات والأحاديث أقساماً لكي يخالفوها
المخالفون لأهل السنة لم يعملوا بهذه النصوص، ولم يعملوا بالآيات، ولم يعملوا بالأحاديث، فعلى أي شيء اعتمدوا في المعتقد؟ اعتمدوا على عقولهم فحكموها، وجعلوها هي الدليل، فقبلوا ما وافقت عقولهم عليه، وردوا ما أنكرته عقولهم، وزعموا أن العقل هو الدليل الأساسي، وقالوا: ما عرفنا صدق الرسل إلا بالعقول، فإذا جاء عن الرسل ما يخالف العقول وجب اطراحه.
وقد تقدم أنهم قالوا في الآيات: إنها تنقسم إلى قسمين، وكذلك الأحاديث.
قسموا الآيات إلى قسمين: فقسم قالوا: إنه ظاهر الثبوت، ولكنه ظني الدلالة فلا يقبلونه؛ لاحتماله بزعمهم التأويل، ولأجل ذلك سلطوا التأويل على تلك النصوص.
والقسم الثاني: جعلوه ظاهراً، ولكن لا يلزم أيضاً قبوله ولو كان ظاهر الدلالة، لأنه محتمل للتأويل.
أما السنة فجعلوها قسمين: متواتراً، وآحاداً.
فقالوا: إن المتواتر قطعي الثبوت، ولكنه ليس قطعي الدلالة لاحتمال أنه ذو معان كثيرة، فسلطوا عليه التأويل.
أما الآحاد فجعلوه ظني الثبوت، وما دام أنه ظني الثبوت فلا يدخل في المعتقد، ويقولون: إن العقيدة لا تبنى إلا على اليقين، والآحاد ظنية.
ومعنى هذا: اطراح الأحاديث كلها إلا أفراداً قليلة، فالأحاديث المتواترة قليلة، والبقية كلها آحاد، فيقولون: الآحاد لا تقبل في المعتقد.
وقد تقدم تعقب الشارح لذلك.
لا شك أن أكثر الأحاديث التي وردت في صحيح البخاري وفي مسلم، وكذلك في كتب أهل السنة؛ أنها في اصطلاحهم آحاد؛ وهي ما يرويها واحد أو اثنان أو ثلاثة، ولم تبلغ حد التواتر، وإذا كانت كذلك فإنها ظنية الثبوت فلا تفيد يقيناً، فقالوا مثلاً: الأحاديث التي في إثبات النظر إلى الله تعالى ورؤيته في الآخرة كلها ظنية-آحاد- فلا نعتقدها، والأحاديث التي في علو الله على عرشه، وعلوه فوق سمواته كلها ظنية، فلا نقبلها لكونها آحاداً، والأحاديث التي في نزوله لفصل القضاء، وفي نزوله إلى السماء الدنيا ونحو ذلك، كلها آحاد، فلا يقبلونها، والأحاديث التي في صفة الفعل لا يقبلونها أيضاً.
إذاً: ماذا بقي؟ ما بقي إلا أحاديث قليلة في الشفاعة وفي الحوض وما أشبهها، جعلوها متواترة، وقبلها بعضهم، والبعض لم يقبلها، وقال: إنها وإن كانت قطعية الثبوت لكنها محتملة للتأويل.
وقد رد عليهم الشارح رحمه الله فقال: إن الأمة لم يزالوا يعملون بالآحاد، وإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل رسله آحاداً، فيعمل بقولهم، فيرسل الداعية إلى اليمن مثلاً وهو واحد، ويكلف الذين أرسل إليهم أن يقبلوا منه، ويرسل المبلغين آحاداً، ويرسل كتبه مع آحاد ويقبل منهم، ويرسل أيضاً الجباة الذين يجمعون الصدقات آحاداً، فيقبل منهم، ولا شك أن ذلك كله دليل على أنهم عرفوا صدق أولئك الذين جاءوا بهم.
فما دام كذلك: فإن هذه الأخبار التي رويت في الصحيحين نقلها عدل عن عدل، ضابط عن ضابط، ثقة عن ثقة، إذا دونت في الكتب أليست قطعية الثبوت؟ هي قطعية، فلماذا لا نعمل بها؟ لماذا لا نطبقها؟ لماذا لا ندخلها في الاعتقاد كما أدخلناها في العمل؟ ما الفرق بين العمل والاعتقاد؟ لا فرق بينهما.
فإذاً: واجب على الأمة أن يعملوا بهذا وهذا، في الاعتقاد وفي العمل.