قال الشارح رحمه الله: [وأما الكرسي فقال تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ}[البقرة:٢٥٥] ، وقد قيل: هو العرش، والصحيح أنه غيره، نقل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، روى ابن أبي شيبة في كتابه صفة العرش والحاكم في مستدركه وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ}[البقرة:٢٥٥] أنه قال: (الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى) ، وقد روي مرفوعاً، والصواب أنه موقوف على ابن عباس.
وقال السدي: السماوات والأرض في جوف الكرسي، والكرسي بين يدي العرش.
وقال ابن جرير: قال أبو ذر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض) .
وقيل: كرسيه علمه، وينسب إلى ابن عباس، والمحفوظ عنه ما رواه ابن أبي شيبة كما تقدم، ومن قال غير ذلك فليس له دليل إلا مجرد الظن، والظاهر أنه من جراب الكلام المذموم، كما قيل في العرش وإنما هو كما قال غير واحد من السلف: بين يدي العرش كالمرقاة إليه] .
هذا الكلام على الكرسي الذي ذكر الله أنه وسع السماوات والأرض، وهو كالمرقاة بين يدي العرش أو أن الكرسي موضع القدمين، وبكل حال فهو مخلوق، وقد ذكر الله أنه وسع السماوات بأكملها:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ}[البقرة:٢٥٥] ، فإذا كان الكرسي قد وسع السماوات والأرض فكيف بالعرش؟ هذا هو القول الصحيح: وهو أن الكرسي مخلوق، وأنه غير العرش، وهناك قول بأن الكرسي هو العرش، والصحيح أنه غيره؛ هذا هو المشهور، فالكرسي مقدمة العرش أو مرقاة بين يديه.
وهناك قول ثالث ولكنه ضعيف: وهو أن الكرسي هو العلم، (وسع كرسيه) أي: علمه، وهذا القول -وإن روي عن ابن عباس - فإنه لا يثبت عنه، والصحيح القول الأول عنه، ولعل هذا من أقوال بعض المبتدعة الذين يريدون أن يئولوا الأشياء بغير ظواهرها، فلما أولوا العرش بأنه الملك أولوا الكرسي بأنه العلم؛ حتى يبطلوا الصفات التي وردت في النصوص، والتي تتعلق بالعرش والكرسي، والتي الإيمان بها من الإيمان بالغيب.