فضيلة الشيخ! قلتم: إن النقل الصريح لا يعارض العقل الصريح والسليم من الزيغ والانحراف، لكننا نجد من علماء المسلمين والمثقفين والدعاة من يردون بعض الأحاديث الصحيحة؛ لعدم موافقتها لعقولهم، فكيف نفسر ذلك؟
الجواب
قد ذكرنا أن تلك العقول عقول ناقصة، عقول مضطربة، وأن الواجب على الإنسان أن يتهم عقله، ولا يرد الأحاديث إذا لم توافق مزاجه، بل يتهم فهمه بالخطأ ونحوه، وقد أنكر بعض المتأخرين بعض الأحاديث التي خالفت الواقع في هذه الأزمنة أو قبلها، ولكن لا عبرة بردهم، وكذلك غيرهم من المتقدمين، فردوا مثلاً أحاديث في صحيح البخاري كحديث عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل أنه يفعل الشيء وما يفعله) إلخ، فقالوا: إن هذا يخالف العصمة، وأنه وأنه وأجاب العلماء عن ذلك وبينوا أنه لم يقع في أمر الشرع.
والسحر له حقيقة، وأنكرت المعتزلة ونحوهم حقيقة السحر، وردوا الأحاديث التي في ذلك، مع وجودها وصراحتها، ومع مشاهدة الناس أن الساحر قد يؤثر، وأخبر الله تعالى بذلك.
كذلك في هذه الأزمنة أيضاً قرأت لبعضهم إنكاراً لبعض الأحاديث، كقوله صلى الله عليه وسلم:(لولا بني إسرائيل لم يخنز اللحم) أي: لم ينتن، يعني: أنهم لما أعطاهم الله تعالى السلوى صاروا يدخرون لغد ولبعد غد، فصار اللحم ينتن، نقول: وما المانع من ذلك؟ وإن كانت طبيعة اللحم أنه إذا تأخر يتغير، لكن قد يجعل الله له ما يكافحه وما يزيل عنه ذلك النتن.
وكذلك أحاديث عذاب القبر أنكرها بعضهم، وقالوا: إننا نكشف عن الميت بعد مدة فنجده كما وضعناه، ولا نجد أثراً لعذاب القبر ولا لنعيمه ولا لغير ذلك.
فيقال لهم: إن عالم الأرواح غير عالم الأجساد، وإن العذاب في القبر على الروح ولا على الجسد، الجسد تأكله الأرض، ويكون تراباً.
والحاصل أننا لا نلتفت إلى هؤلاء الذين يطعنون في الأحاديث لمجرد عرضها على العقل.
فالأولون من معتزلة ونحوهم ما كانوا يردون إلا الأحاديث التي تتعلق بالصفات، أما أحادث البعث والنشور فإنهم يقرونها، ويوافقون عليها، وأما هؤلاء العصريون فينكرون الأحاديث الحسية كالأحاديث التي تخالف فطرهم مثلاً، أو تخالف ما تجدد لهم من المصنوعات ونحوها، وما علموا أن قدرة الله غالبة على كل شيء.