بعد أن عرفنا حال هؤلاء فنقول: على المسلم أن يعرف حكمهم، فهم كفرة فجرة ضلال، وقد حكم الشرع بكفرهم، فثبت في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم:(ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له) ومعنى (ليس منا) : يعني ليس من المسلمين، (من تكهن) يعني: تعاطى الكهانة أو (تكهن له) : يعني: ذهب إلى الكهان يطلب منهم الإخبار بأمر من الأمور.
وفي هذه الأزمنة كثر هؤلاء في هذه البلاد، وقد كانوا قلة وأذلاء، والآن انتشروا، وانتشر السحر، وانتشر الكهان، وكثر شرهم، وكثر ضررهم، وإذا قيل: ما سبب فشوهم وكثرتهم وانتشارهم؟ فنقول: السبب -والله أعلم- قلة العلم الصحيح، وقلة الإيمان، وقلة الأعمال الصحيحة التي يبطل بها كيدهم، ويبطل بها عملهم؛ وذلك لأن الكهنة والسحرة والمشعوذين ونحوهم عملهم يتوقف على الشياطين، فالشياطين هي التي تمدهم، وهي التي تخبرهم، وهي التي تعمل لهم، وهي التي تحركهم، وترفع وتخفض فيهم، وتتكلم على ألسنتهم، وتلابسهم، وتخدمهم بما يريدون، ومتى تكثر الشياطين؟ إذا كثر الخبث، إذا كثرت المعاصي، إذا ضعف الإيمان، إذا كثر الزنا، وكثر الربا، وكثر الخنا، وكثر الغناء، وكثر الفساد، وكثر اللهو والباطل، وانشغل الناس بالشهوات، وقل الإيمان وضعف أهله، وضعف المتمسكون عن أن يقاموا هذه الأشياء؛ عند ذلك تستولي الشياطين وتستحوذ على أولئك، ويقل نزول الملائكة الذين يسددون المؤمنين، والذين يوفقونهم، والذين تنفر منهم الشياطين، فإن الملائكة كلما عمرت مكاناً هربت منه الشياطين، فإذا كثرت الشياطين لم يكن هناك ملائكة.
إذاً: فشوا هؤلاء بسبب كثرة المعاصي التي تمكنت في كثير من البلاد، فكان من نتيجتها أن استحوذ الشياطين وأولياء الشياطين من هؤلاء السحرة والكهنة على هذه البلاد.
ومعروف أن السحرة والكهنة يعبدون الشياطين، وقد حكم العلماء بكفرهم وبردتهم وبشركهم، وبينوا أنهم لا تقبل منهم التوبة، بل يبادر بأحدهم فيقتل، ولا يبقى لحظة واحدة، ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال:(حد الساحر ضربه بالسيف) ، وثبت أن عمر رضي الله عنه كتب إلى بجالة بن عبدة أن يقتلوا كل ساحر وساحرة، قال بجالة: فقتلنا ثلاث سواحر، وقد ثبت أيضاً أن حفصة بنت عمر رضي الله عنها -وهي إحدى أمهات المؤمنين- أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقتلت؛ وذلك لأنها كانت دبرتها، يعني: علقت عتقها بموتها، فحرصت تلك الجارية على أن تموت سيدتها حتى تعتق، فعملت لها سحراً واعترفت، فأمرت بها فقتلت.
وكذلك ثبت عن جندب الخير رضي الله عنه أنه دخل على أحد خلفاء بني أمية، وكان عنده كاهن أو ساحر، وكان ذلك الساحر يقطع رأس الإنسان ثم يرده والناس ينظرون؛ وذلك لأنه يشعوذ ويزور على أعين الحاضرين، فيوهمهم أنه قطع الرأس، ولم يبق إلا الحنجرة، ثم بعد ذلك يرده فيقوم سوياً.
فيعجب الناس ويضحكون، فجاء جندب رضي الله عنه ومعه سيف أخفاه، واستعاذ بالله، وقرأ آية الكرسي، فلما حاذى الساحر ضربه بالسيف حتى قطع رأسه، وقال: فليحي نفسه إن كان صادقاً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(حد الساحر ضربه بالسيف) أو قال هو: حد الساحر ضربه بالسيف، فهذا حده؛ لأنه تعاطى الكفر.