الخوف يتعلق بالخوف من بطش الله وعذابه، إذا قيل: خفِ الله، ألا تخاف الله؟ قد تقول: كيف أخافه؟ فيقال: تخاف من أن يغضب، تخاف من أن يعاقب، تخاف من أن يبطش بك، فإنه شديد العقاب لمن عصاه، ولمن خرج عن طاعته.
قد يتعلق الخوف بالعذاب، فيقال: أما تخاف العذاب؟ أما تخاف النار؟ أما تخاف عقاب الله؟ قد يتعلق الخوف بالأهوال، فيقال مثلاً: أما تخاف أهوال القيامة؟ أما تخاف هول المطلع؟ الكل بمعنى واحد، إذا قيل: خف الله، وخف النار، وخف هول المطلع، النتيجة واحدة، وهي: أن من خاف فإنه يهتم لما خاف منه، ويبتعد عنه.
وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً للخوف بالخوف الحسي في الدنيا، في حديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) وهذا قلنا: إنه مثل حسي، يعني: أن الخوف في الدنيا قد يكون خوفاً حسياً، مثلاً: إنسان سافر وحده على قدميه، وضرب طريقاً بعيداً، وهذا الطريق فيه مخاوف، فيه قطاع طريق، وفيه سباع، وفيه هوام، وهو وحده، وليس معه أسلحة يدفع بها هؤلاء القطاع، فماذا يفعل؟ لا شك أنه في حالة سيره يكون حذراً غاية الحذر، ولا شك أنه يسير في الوقت الذي يهدأ الناس فيه، ويغفلون فيه، يتحين الوقت الذي يكون قطاع الطريق فيه غافلين أو نائمين أو مشتغلين بحاجتهم، أو نحو ذلك، فلذلك قال:(من خاف أدلج -الدلجة: هي السير بالليل- ومن أدلج بلغ المنزل) .
في القديم كان الإنسان يقطع المسافات الطويلة على الأرجل وعلى الرواحل في أيام، لكن مع وجود الخوف في الطريق فإنه يسير في الليل خمس ساعات أو عشر ساعات في غفلة الناس، وإذا جاء النهار كمن واختفى حتى يظلم الليل عليه، حتى لا يتعرض له أحد، يمضي عليه يومان أو ثلاثة أيام وإذا هو قد قطع هذه المسافة حتى يبلغ منزله الذي قصده (ومن أدلج بلغ المنزل) .
كذلك أيضاً: من خاف من الله تعالى فإنه يهرب من أسباب عذابه، من خاف من النار هرب منها، من خاف من عذاب الله هرب من أسبابه، كما أن من رجا شيئاً طلبه.