نحن نرجو للمحسنين، ونخاف على المذنبين، وإذا وصلت الحال إلى أن ذلك الذنب وصل إلى درجة الكفر، فإننا نحكم بكفره صاحبه وردته، وأما إذا كان الذنب مما يحتمل أن يغفر، ويدخل تحت مشيئة الله فإن ذلك مما لا يكفر به صاحبه.
والذنوب التي دون الشرك معرضة للأسباب التي تكون مكفرة لها، ومن هذه الأسباب: التوبة، والاستغفار، ودعاء المؤمنين له بالمغفرة، والمصائب الدنيوية، وشدة النزع عند الموت وما يصيبه جراء ذلك، وعذاب القبر، وشدة الفزع في الآخرة، والحزن الذي يناله في الموقف وشدة الألم، ومنها: تكفير الله عز وجل له بما يحصل له من المصائب، ومنها: شفاعة الشافعين، ومنها: ما يحصل من القصاص بين العباد على القنطرة، ومنها: أنه يدخل النار ويكفر عنه بقدر ما عمل، ثم بعد ذلك يخرج إذا كان من أهل التوحيد ومن أهل الصلاح.
وقد سبق أن ذكرنا أن على المرء أن يجمع بين الخوف والرجاء، فيكون خائفاً راجياً، ولكن لا يبلغ به الرجاء إلى الأمن، بحيث يأمن مكر الله، {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}[الأعراف:٩٩] ، ولا يبلغ به خوفه إلى اليأس {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ}[يوسف:٨٧] بل يكون بينهما، وذكرنا أن العلماء يقولون: يفضل في حالة الصحة الخوف حتى يستقل أعماله، ويستكثر من الحسنات.
وفي حالة الاحتضار يفضل الرجاء -أي: يغلب الرجاء- ليقدم على ربه وهو يحسن الظن به، وقد مر بنا في الحديث:(لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه) فيكون ذلك إن شاء الله من أسباب رحمة الله لعبده.
فيتعين على الإنسان في نفسه أن يجمع بين الخوف والرجاء، ويتعين عليه مع غيره أن يخاف على المذنب، ويرجو للمحسن، فيجمع في ذلك بين الخوف والرجاء، من غير أن يصل به إلى الجزم واليقين.