قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قوله: (ويملك كل شيء ولا يملكه شيء، ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين، ومن استغنى عن الله طرفة عين فقد كفر وصار من أهل الحين.
كلام حق ظاهر لا خفاء فيه، والحين بالفتح الهلاك] .
قوله: (ويملك كل شيء ولا يملكه شيء) كلام ظاهر، بمعنى: أن الله تعالى هو المالك لكل شيء، كما أخبر تعالى بقوله:{لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْد}[التغابن:١] ، وقوله:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}[الملك:١] ، ولا شك أن الملك والمالك من أسماء الله، فهو الذي يملك التصرف الكامل، فهو مالك الدنيا ومالك الآخرة، ومالك العباد، ومالك البلاد، ومالك الرقاب، ومذلل الصعاب، هو المالك لكل شيء، ولا يملكه شيء، فهو الخالق وما سواه مخلوقون، والمالك وما سواه مملوكون، فمعنى هذه الجملة: الاعتراف بأن الملك ملكه، وبأن العبيد كلهم وما في أيديهم مملوكون له، وملكهم لما تحت أيديهم وتحت تصرفهم ملك خاص لا يملكون له استقلالاً، وهو أيضاً ملك مؤقت، فإذا قلت مثلاً: هذه الدولة يملكها فلان أو رئيسها فلان، نقول: إن ملكه خاص ومؤقت، وإذا قلت مثلاً: هذه المزرعة ملك فلان أو هذه العمارة ملك فلان، فالمعنى أنه يملكها ملكاً خاصاً وملكاً مؤقتاً، ربما تنتزع منه أو ينتزع منها أو يموت ويتركها، فعرف بذلك أن الملك الحقيقي هو الله تبارك وتعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}[الملك:١] ، {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْء}[يس:٨٣] .
وأما كونه سبحانه لا غنى لأحد عنه طرفة عين فقد تقدم معنى ذلك في الجمل المتقدمة والتي ذكر فيها أن العباد بحاجة إلى ربهم، وأنهم مضطرون إلى سؤاله، وهو سبحانه يحب منهم أن يسألوه ويدعوه، ويرغبهم في أن يسألوه ويستعطوه من فضله مع كونهم بحاجة إلى عطائه وهو غني عنهم، يقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}[فاطر:١٥] ، ويقول تعالى {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُم}[محمد:٣٨] ، فوصف نفسه بأنه الغني والعباد فقراء إليه، ورد في الحديث القدسي الصحيح (يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم) .
فإذاً لا أحد يستغني عن الله طرفة عين، والذين يظهرون أنهم يملكون نعم الله هم في الحقيقة فقراء ولو ذللت لهم الدنيا، ولو سخرت لهم الدنيا حتى انخدع كثير منهم، حتى ذكر لي عن بعض الكفرة الذين كانوا بين المسلمين لما قيل لأحدهم: اعبد الله فإن الله هو الذي رزقك، أنكر ذلك والعياذ بالله وقال: إنما رزقتني يميني.
أعوذ بالله من ذلك، يعني: اعتمد على أنه الذي كسب أو لم يكسب، ونسي أن الله حنن عليه أبويه في طفولته، وأنه وكل به من يطعمه ويسقيه ويغذيه في حالة عجزه، حتى اشتد عظمه وقوي هيكله، فنسي فضل الله عليه، واعتقد أنه هو الذي أغنى نفسه، ولو شاء الله لانتقم منهم ولسلبهم ما أعطاهم، فعلى الإنسان أن يعترف أنه فقير إلى الله وأن ربه هو الغني، وأن العباد لا غنى لهم عن ربهم طرفة عين.