قال رحمه الله:[وأما النصارى القائلون بالتثليث فإنهم لم يثبتوا للعالم ثلاثة أرباب ينفصل بعضهم عن بعض، بل متفقون على أن صانع العالم واحد، ويقولون: باسم الابن والأب وروح القدس إله واحد.
وقولهم في التثليث متناقض في نفسه، وقولهم في الحلول أفسد منه، ولهذا كانوا مضطربين في فهمه وفي التعبير عنه لا يكاد واحد منهم يعبر عنه بمعنى معقول، ولا يكاد اثنان يتفقان على معنى واحد، فإنهم يقولون: هو واحد بالذات ثلاثة بالأقنوم.
والأقانيم يفسرونها تارة بالخواص، وتارة بالصفات، وتارة بالأشخاص، وقد فطر الله العباد على فساد هذه الأقوال بعد التصور التام، وبالجملة فهم لا يقولون بإثبات خالقين متماثلين] هذا فيه رد على النصارى، قال تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ}[المائدة:٧٣] ، فالنصارى يجعلون الله ثالث ثلاثة، فيجعلون عيسى ابن الله، كما قال الله عنهم:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ}[المائدة:١٧] ، {وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}[التوبة:٣٠] يعني: منهم من يقول: إن الله هو المسيح -تعالى الله عن قولهم-.
ومنهم من يقول: إنه ابن الله، وهذا أشهر وأكثر عندهم، ومنهم من يقول: إن الله ثالث ثلاثة.
وهو قولهم: بالأب والابن وروح القدس، والله يخاطب عيسى يوم القيامة فيقول:{يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}[المائدة:١١٦] ، وهذا دليل على أن المثلثة يقولون: إن الله إله، والمسيح إله، وأمه إله تعالى الله عن قولهم! فأنكر ذلك عيسى وقال:{سُبْحَانَكَ}[المائدة:١١٦] ، وقال:{مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ}[المائدة:١١٧] ، ومشهور في كتب النصارى أنهم يقولون بالأقانيم الثلاثة، وهم مختلفون في معنى الأقانيم، وكذلك هم مختلفون هل هي قديمة كلها أو بعضها حادث؟ ومشهور عند النصارى استعمال كلمة الأقنوم، ومنهم من يفسرها بالأرواح، ومنهم من يفسرها بالآلهة أو بالأشياء القديمة، والحاصل أنهم مضطربون فيها كما سمعنا، وقد ردّ عليهم الأئمة، ومن أراد تفصيل الرد عليهم فليقرأ كتاب شيخ الإسلام (الجواب الصحيح) الذي ضمنه الرد عليهم وفصّل في أجوبتهم، واستوفى ذلك رحمه الله، وكذلك غيره من العلماء حيث تتبعوا أدلتهم واستوفوا ما يدور حول ذلك من الشبه، وبينوا تناقضهم، ومع ذلك ما أُثر عنهم أنهم يقولون: إن العالم صادر من ثلاثة، بل هم يعترفون في نفس الأمر بأن العالم مخلوق من واحد قادر.