يتكلم هنا على الولاية وأنها الإيمان، وقد تقدم أن أهل الإيمان يتفاوتون في إيمانهم، وأيضاً يتفاوتون في صفة الولاية، فأولياء الله تعالى يتفاوتون في هذه الأوصاف، كما أن المؤمنين من عباد الله يتفاوتون في آثار الإيمان.
إذا عرفنا أن الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأن الحسنات والطاعات من شعب الإيمان، والمعاصي والمخالفات من شعب الكفر؛ أي: أن للإيمان شعباً وللكفر شعباً، وأن الإنسان قد يجتمع فيه خصال كثيرة من خصال الإيمان ويفقد بعضها فيكون مؤمناً ناقص الإيمان، وقد يكون فيه خصلة من خصال الكفر ولا يحكم بكفره؛ فيكون بذلك جامعاً بين كونه ولياً لله من جهة، وعدواً له من جهة، يحبه الله تعالى على ما فيه من الإيمان ومن الأعمال الصالحة، ويبغضه على ما فيه من المعاصي ونحوها، والحكم للصفة التي تغلب، ويكون أيضاً مثاباً ومعاقباً، ولأجل ذلك فإن الله تعالى يدخل كثيراً من العصاة النار ثم يخرجهم من النار بعد أن يمحصوا ويزال عنهم آثار تلك المعاصي، فأولئك محبوبون من جهة؛ وهي كونهم من المصدقين الذين أتوا بالشهادتين، ومبغضون من جهة؛ وهي كونهم قد أصروا على كثير من المعاصي واقترفوا كثيراً من الذنوب، وعملوا أنواعاً من السيئات، فأصبحوا بذلك قد جمعوا بين الأمرين؛ بين اقتراف السيئات وبين عمل الحسنات.
لكن الحكم لما هو الأصل، فيقال: إذا كان الأصل أنه ممن شهد الشهادتين وآمن بالله عز وجل، وآمن برسله، ولكن كان إيمانه الذي في قلبه ضعيفاً لم يحمله على كل العبادات والإتيان بها، ولم يزجره عن كل المعاصي والمخالفات، فإنه يقال: هو مؤمن، ولكن يعاقبه الله بهذه المعاصي التي اقترفها، أو يعفو الله عنه.
كذلك الكافر، قد يعمل حسنات، وقد يفعل قربات، ولكن العبرة بما عليه قلبه، فإذا كان كافراً يعتقد أن لله شركاء في العبادة، ويجعل أنواعاً من العبادات لغير الله، ولكنه مع ذلك قد يصلي، وقد يتصدق، ويقرأ، وقد يحب الخير، وقد يجاهد المشركين، ولكنه مع ذلك يدعو غير الله، فنقول: هذا مشرك، ولا ينفعه عمله هذا الذي عمله؛ لأنه حبطت أعماله وقرباته وحسناته وبطل أجرها وثوابها، فلا يستحق عليها شيئاً.
وبكل حال نقول: إن على المؤمن أن يحرص على تكميل إيمانه حتى يكون من أولياء الله عز وجل الذين آمنوا وكانوا يتقون، كما جمع الله تعالى في وصفهم بين هذين:(الذين آمنوا وكانوا يتقون) ، فآمنوا إيماناً تظهر عليهم آثاره وهي الصالحات، وتصديقاً قوياً وتقوى يتركون بها الآثام والجرائم وأنواع المحرمات، وكبائر الإثم وصغائره.
فإذا كمل الإيمان ولو حصل معه شيء من السيئات ونحوها، واتقى الله عز وجل، أصبح من أولياء الله، وثوابه الذي يحصل له ثواب عاجل وثواب آجل، فالثواب الذي في الدنيا هو أن الله تعالى يحب أولياءه ويتولاهم:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا}[البقرة:٢٥٧] ، وإذا أحبهم الله وفقهم للطاعات وحماهم عن المعاصي والآثام.
أما الثواب في الآخرة فهو الثواب الأعظم، وقد ذكر الله بعض الثواب أو نوعاً منه بقوله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}[الأنعام:٨٢] فجعلهم من أهل الأمن، والأمن هو أن يكونوا آمنين في الآخرة، لا يخافون ولا يحزنون، ولذلك قال في هذه الآية:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[يونس:٦٢] أي: هم آمنون، (وهم مهتدون) أي: على طريق سوي، فنعتقد بذلك أن لله أولياء، وأنهم ليسوا -كما يزعم المتصوفة والغلاة ونحوهم- خواص من الناس قد قطعوا المسافات، وأنهم سقطت عنهم التكاليف، وأنهم وأنهم، بل كل من آمن إيماناً صحيحاً واتقى الله تعالى حصل على ولاية الله، وأما من قصر في ذلك فإن معه نوعاً من الولاية ولكنها ولاية ناقصة.