للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإمارة في الحج]

وقد تقدم شرح حقوق الأئمة وما يجب لهم، ولكن ذكر هنا أن الجهاد والحج ماضيان مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً، كما وردت بذلك السنة، وكما عمل بذلك السلف الصالح، فكانوا يحجون ويكون أمير الحج أحد الولاة، وقد يكون سفيهاً، وقد يكون معه شيء من النقص والتقصير، وقد يؤخر الصلاة عن وقتها، وقد يستمع شيئاً من اللهو وغناء القينات ونحو ذلك، وقد يتعاطى شيئاً من الأشربة المكروهة كالنبيذ ونحوه، ولكن مصحلة جمعه لهؤلاء الحجاج وحمايته لهم عن قطاع الطريق مصلحة كبيرة لا يستهان بها.

كانوا في الأزمنة المتقدمة من عهد الخلفاء إلى عهد قريب، أعني: قبل خمسين أو ستين سنة لابد أن يكون للحج أمير، فكل أهل جهة يحج بهم أمير يتأمر عليهم، وإذا وصلوا إلى مكة تأمر على الجميع واحد يرجعون إليه، فأهل العراق يحجون مع أمير خاص بهم، يحميهم عن قطاع الطريق إلى أن يصلوا إلى مكة، وكذلك أهل الشام وأهل مصر وأهل اليمن وأهل خراسان وأهل البحرين، وأهل عمان وأهل المناطق النائية، فكان يجتمع أهل كل جهة مئات وألوف ويسيرون جميعاً، ولا يتفرقون مخافة قطاع الطريق، فإذا وصل هؤلاء وهؤلاء إلى مكة كان الأمير واحداً، هو الذي يؤذن فيهم بوقت الوقوف في عرفة، ويؤذن فيهم بوقت الانصراف من عرفة، ويؤذن فيهم بوقت رمي الجمار، وكذلك بوقت الخروج من مزدلفة، وهكذا، ويسيرون إذا سار، وينزلون إذا نزل، ويقتدون به، ويقيم لهم الأحكام ويعلمهم المناسك.

وفي حديث عن ابن عمر أنه سئل: متى نرمي الجمار؟ فقال: إذا رمى إمامك، يعني: انتظر حتى يرمي ذلك الإمام، فإذا رمى فإن ذلك وقت الرمي، فدل على أنهم لا يبدءون برمي الجمار إلا إذا رمى أئمتهم، هكذا كانوا.

وفي هذه الأزمنة لما أمنت البلاد، وتقاربت الطرق وسفلتت، وقطع دابر قطاع الطريق ونكبوا، ولم يبق هناك من يعترضهم، إلا من لا يؤبه لهم، وصارت الطرق آمنة، أصبح الناس يحجون أفراداً، وجاءت هذه الناقلات الجديدة: الحافلات والسيارات والطائرت والبواخر ونحوها، فسهلت للناس الطرق، فأصبح لا حاجة إلى استصحاب الأمير، ولا أن يجتمعوا كلهم، فهذا هو السبب في التساهل في أمر الولاية، حتى في المناسك أصحبوا يعرفون المناسك، ويعرفون أماكنها، وقد حددت وحدد أوقاتها، وما أشبه ذلك، فلم يكن هناك ضرورة إلى إقامة أمير في الحج.