[كل تعبد خالف الشرع مردود على صاحبه]
قال الشارح رحمه الله تعالى: [وأما الذين يتعبدون بالرياضات والخلوات، ويتركون الجمع والجماعات، فهم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، قد طبع الله على قلوبهم، كما قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً من غير عذر طبع الله على قلبه) .
وكل من عدل عن اتباع سنة الرسول، إن كان عالماً بها فهو مغضوب عليه، وإلا فهو ضال؛ ولهذا شرع الله لنا أن نسأله في كل صلاة أن يهدينا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
وأما من يتعلق بقصة موسى مع الخضر عليهما السلام في تجويز الاستغناء عن الوحي بالعلم اللدني، الذي يدعيه بعض من عدم التوفيق: فهو ملحد زنديق، فإن موسى عليه السلام لم يكن مبعوثاً إلى الخضر، ولم يكن الخضر مأموراً بمتابعته؛ ولهذا قال له: أنت موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم.
ومحمد صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى جميع الثقلين، ولو كان موسى وعيسى حيين لكانا من أتباعه، وإذا نزل عيسى عليه السلام إلى الأرض إنما يحكم بشريعة محمد، فمن ادعى أنه مع محمد صلى الله عليه وسلم كـ الخضر مع موسى، أو جوّز ذلك لأحد من الأمة فليجدد إسلامه، وليشهد شهادة الحق؛ فإنه مفارق لدين الإسلام بالكلية، فضلاً عن أن يكون من أولياء الله، وإنما هو من أولياء الشيطان، وهذا الموضع مفرق بين زنادقة القوم وأهل الاستقامة، فحرك ترَ، وكذا من يقول بأن الكعبة تطوف برجال منهم حيث كانوا!! فهلا خرجت الكعبة إلى الحديبية فطافت برسول الله صلى الله عليه وسلم حين أحصر عنها، وهو يود منها نظرة؟! وهؤلاء لهم شبه بالذين وصفهم الله تعالى حيث يقول: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً} [المدثر:٥٢] إلى آخر السورة] .
هذه صفة لا شك أنها بشعة وشنيعة، وهؤلاء هم من المتصوفة، وكان مجموعة منهم يعتزلون إما في زاوية، وإما في مكان نازح، ثم يعكف في نظره بقلبه على ربه، ويجمع جمعيته، ويجيل فكره في الملأ الأعلى في نظره، ويبقى لا يخرج إلى المساجد، ولا يصلي جمعة ولا جماعة، ويزعم أنه إذا خرج تفرق عليه قلبه! ورأى ما يشتت عليه فكره! وأنه إذا بقي اجتمع عليه ذكره، وأعمل هذا العقل إلى أن يتجاوز السبع الطباق! إلى أن ينظر في الملأ الأعلى، وفي ملكوت السماوات والأرض، كما يقول! حتى يحصل له ما يُعبر عنه بالتواجد، ويحصل ما يحصل عليه مما يسمى بالاستلامات والحركات التي تخالف الحركات الطبيعية، وهؤلاء فرق كثيرة قديمة الوجود، وموجودة الآن في البلاد التي يكثر فيها التصوف.
ولا شك أنهم إذا تركوا الجمع والجماعات أنهم تركوا الشريعة والسنة المحمدية، وأنهم ابتدعوا ديناً من عند أنفسهم فضّلوه على شرع الله، وعلى دين الله، وليس لهم سنة وطريقة يستدلون بها، ولا دليل يحذون حذوه إلا مجرد التجربة في زعمهم أن هذا جُرب، وأنه لما جمع جمعيته رأى ما لم يره غيره.
فالحاصل: أنه تارة يكون الواحد منهم منفرداً في زاوية في بيته أو في صومعة أو في مكان خاص، وقد يخرج خارج البلد ثم يجيع ويظمئ نفسه ويتعبها، ويعمل فكره، ويبقى مفكراً يومه وليلته ويومه الثاني وليلته الثانية إلى أن يحصل له مطلبه، وهو الفناء الذي يعبر عنه بالتواجد وما أشبه ذلك.
ثم إنه يفضل نفسه على رسل الله؛ إذ لم يكن الرسل وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم يفعلون هذه الأشياء، فعرف بذلك ضلال هؤلاء، وبطلان طريقتهم، وأنهم لا يمكن أن يصلوا إلى ما وصل إليه رسل الله الذين فضلهم، والذين ميزهم بما ميزهم به من العلم، وهكذا ما شرعه في شريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم التي هي خاتمة الشرائع.
فهذه من البدع المنكرة عليهم، وبلا شك أن البدع لا تتمكن إلا إذا رأى أهلها فيها شيئاً يجتذبون به الناس، وقد انخدع بهم خلق كثير عندما رأوا أنهم يحصل منهم هذه الكلمات، وهذه التوهمات، وهذه الأمور التي قد يظنون أن فيها شيئاً من الأمور الغيبية، وأنهم يطلعون على أمور سماوية، وأنهم وأنهم، فرآهم جمهرة وجمع كثير من الناس فتزينوا بزيهم، وساروا على نهجهم -والعياذ بالله- ووقعوا في هذا الأمر الذي هو ترك الشريعة واتباع هذه الطرق المبتدعة، وتعطيل ما هو عبادة سماوية مأمور بها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه) والعياذ بالله! فيجب أن نحذر من كل هذه الطرق وغيرها التي تخالف الشرع، ونتجنب أهلها، ونعرف أنهم يسيرون عليها لأجل أن يضلوا ويضللوا غيرهم، والعياذ بالله!