قد شهد النبي صلى الله عليه وسلم لسلف الأمة بالخير وبالفضل فقال:(خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) ، وروي عنه أنه قال لأصحابه:(أنتم خير من أبنائكم، وأبناؤكم خير من أبنائهم) ، فهذه شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم لصدر هذه الأمة بالخير، ولا شك أنهم يتفاوتون؛ وذلك لأن فيهم العلماء، وفيهم العباد، ولا شك أن العلماء أفضل من العباد، ففي حديث أبي الدرداء المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب) ، ويقول بعضهم: لعالم أشد على الشيطان من ألف عابد، فالعلماء هم ورثة الأنبياء، وعلماء هذه الأمة الذين تحملوا العلم، نشهد أنهم لم يكتموه، وأنهم عملوا به، وأنهم طبقوه، فمن الصحابة علماء أجلاء، عاملون بما قالوا، ومن تلامذتهم علماء مشهود لهم بالخير كالفقهاء السبعة الذين نظمهم بعض العلماء بقوله: إذا قيل من في الدين سبعة أبحر رواياتهم ليست عن العلم خارجة فقل: هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة الأول: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ابن أخي عبد الله بن مسعود الصحابي.
الثاني: عروة بن الزبير بن العوام خالته عائشة رضي الله عنها.
الثالث: القاسم بن محمد بن أبي بكر عمته عائشة رضي الله عنها.
الرابع: سعيد بن المسيب بن حزن العالم المشهور التابعي العابد، وهو من أفاضل قريش.
الخامس: أبو بكر بن الحارث بن هشام من بني مخزوم من قريش.
السادس: سليمان بن يسار مولى مملوك، ولكن منّ الله عليه بالعلم.
السابع: خارجة بن زيد بن ثابت.
هؤلاء من أجلاء علماء التابعين، ولهم من يروي عنهم، اشتهروا بالعلم، ثم اشتهر بعدهم من صغار التابعين من لهم مكانة في العلم ومكانة في الدين، فمن علماء المدينة: محمد بن مسلم الزهري المعروف بـ ابن شهاب.
وربيعة بن عبد الرحمن ويعرف بـ ربيعة الرأي.
ومن علماء مكة: عطاء بن أبي رباح مولى عتيق، ولكن منّ الله تعالى عليه بالعلم.
وكذلك أيضاً في سائر البلاد، ورثهم أيضاً تلامذتهم، مثل: عبد الملك بن جريج وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري والأئمة الأربعة المشهورون، المشهود لهم بالإمامة: في العراق أبو حنيفة، وفي المدينة مالك، وفي بغداد الإمام أحمد، وفي مكة ثم في مصر الإمام الشافعي، وفي مصر أيضاً الإمام الليث بن سعد، وفي الشام الإمام الأوزاعي، وأتباعهم وأشباههم.
فنقول: إن هؤلاء الأئمة في الدين، لا يقدح فيهم إلا من هو ضال مضل، وقد شهد لهم أتباعهم، وكذلك شهدت لهم الأمة، بأنهم علماء هذه الأمة، حملهم الله العلم، ولما تحملوه لم يبدلوا ولم يبتدعوا ولم يغيروا، بل كانوا على السنة، محاربين للبدعة، كلما ظهرت بدعة أنكروها، وأنكروا على أهلها، وشنعوا بهم وحاربوهم وطردوهم، والبدعة في زمانهم مندحرة.