اتفق الصحابة رضي الله عنهم على مبايعة عمر، وهو عمر بن الخطاب بن نفيل العدوي القرشي رضي الله عنه، الخليفة الثاني، فلما أن مرض أبو بكر وأحس بقرب الوفاة دعا عمر وقال:(أنت الخليفة بعدي، أوليك بعدي هذه الولاية) فأرشد الناس إلى مبايعته، وعهد إليه بالخلافة، فلم يختلف عليه اثنان، بل أجمعوا على مبايعته، وأجمعوا على أهليته، ولم يخالف منهم أحد، فتمت له البيعة، وتم أمره.
وفي ولايته رضي الله عنه اجتهد في توسعة رقعة الإسلام، حيث أنفذ الجيوش وأرسلهم إلى أطراف البلاد، ففتحت بلاد الشام في عهده، وكذلك بلاد العراق ومصر وأفريقيا وخراسان، واتسعت الفتوحات وكثرت في زمانه، ووقعت في عهده وقائع كثيرة، وفتوحات كثيرة، كوقعة اليرموك، ووقعة القادسية، ووقعة نهاوند وغيرها من الوقائع المشهورة التي أعز الله فيها الإسلام والمسلمين، وانتصر فيها أولياء الله على أعدائه، وكل ذلك بتوفيق من الله تعالى ثم بتحريض من عمر وتوصية منه بولاته، ولم يقف الأمر عند وصيته لهم بل سار بنفسه حتى وقف على كثير من البلاد، ففتح بيت المقدس التي هي (إيلياء) وتسمى بلغتهم (أورشليم) ، هذا البلد المعروف الذي هو من أقدس البلاد لم يفتح إلا بعدما غزاه بنفسه، ووقف عليه وحاصره، فعند ذلك فتحوا له الأبواب، ودخل المسجد الأقصى وأسس فيه ما أسس.
وبكل حال فهو ثاني الخلفاء الراشدين، وقد وفق الله أبا بكر لتوليته، فكانت توليته عين المصلحة، ووافق على ذلك المسلمون، وترضى عنه أهل السنة، واعترفوا بأفضليته وبقوته وبصرامته وبشهامته وحنكته وسيرته الحسنة التي ضرب بها المثل في عدله وفي تواضعه وفي منهجه وفي سلوكه.
لا شك أن هذا من توفيق الله تعالى للأمة، حيث ظهر الإسلام وانتصر وتمكن وفشا في البلاد، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وذل للإسلام أعداؤه من اليهود والنصارى، وأعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ومكن الله للمسلمين في بلادهم، وحقق الله لهم وعده في قوله تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}[النور:٥٥] ، فحقق ذلك كله في عهد الخلفاء رضي الله عنهم، وبالأخص في عهد أبي بكر ثم عمر.
ولا شك أن اختيار أبي بكر لـ عمر له مستند، فهو الذي قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وعرف إشاراته، وعرف محبته له، وسمع منه ما يدل على أفضلية عمر وعلى أهليته، وقد وردت إشارات نبوية إلى خلافتهما، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم:(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) ولا شك أن عمر منهم، وتقدم قوله:(اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر) فسماه مع من قبله باسمه الصريح، وأمر بالاقتداء به؛ وذلك أنه أهل للاقتداء، كما أنه أهل لحمل السنة، فقد حمل من الشريعة ما حمل، وفي عهده رضي الله عنه كثرت المسائل الواقعية فأفتى فيها بما قبله منه أهل السنة؛ ولأجل ذلك يعرف فقهه وفهمه وفتاواه، لكثرة ما نقل وما وقع له.
ومن الإشارات التي تدل على أنه الخليفة بعد أبي بكر قوله صلى الله عليه وسلم:(رأيتني على قليب أنزع منها -يعني بالدلو- ما شاء الله، فأخذها أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له، ثم أخذها ابن الخطاب فاستحالت غرباً، فلم أر عبقرياً من الناس يفري فريه حتى روي الناس وضربوا بعطن) فأشار إلى خلافة أبي بكر وأنها قليلة، حيث لم ينزع إلا ذنوباً أو ذنوبين، يعني: دلوين، أما عمر فجعل ينزع بهذه الدلو مع كونها استحالت غرباً، والغرب هو الدلو الكبيرة التي ينضح عليها قديماً، ومع ذلك أخذ ينزع حتى روي الناس وضربوا بعطن، إشارة إلى طول خلافته، وإشارة إلى امتداد الخلافة في عهده، وامتداد الإسلام والدولة في عهده، وانتشار الإسلام في زمانه، والانتصارات التي حصلت بواسطة تدبيراته وسيرته.