ما يتفرع عن أركان الإيمان الستة من الإيمان بأمور الغيب ونحو ذلك هو معتقد المسلمين، ولا شك أن دليلهم فيها هو الرسالات التي بلَّغتها إليهم رسل الله، فلما عرفوا الرسل، وعرفوا ما جاءوا به وصحته، وعرفوا أدلة رسالاتهم والمعجزات التي أيدهم الله بها؛ آمنوا برسل الله، ولما آمنوا برسل الله أولِهم وآخرِهم آمنوا برسالاتهم التي يحملونها، والتي بلَّغوها إلى أممهم، وكان من جملة تلك الرسالات: الإيمان بالغيب؛ حيث إن الرسل صادقون، ويلزم تصديقهم فيما بلَّغوه، وكان من جملة ما بلَّغوه أن أخبروا الناس بأنهم عبيد لله وأن الله هو ربهم، وأخبروا الناس بأنهم متعبَّدون، يعني: مأمورون ومنهيون، وأخبروا بأن الخلق مثابون أو معاقبون، وأن هناك داراً أخرى غير هذه الدار، يلاقون فيها جزاء أعمالهم، يلاقون فيها الثواب أو العقاب، على ما عملوه وما قدموه في هذه الحياة الدنيا.
فصدق المؤمنون بذلك كله، ولما صدقوا به ظهرت عليهم آثاره، فعند ذلك استعدوا لذلك اليوم، واستعدوا للقاء الله عزَّ وجلَّ بالأعمال الصالحة التي يعرفون أنها سبيل النجاة، وأنها زادهم في الآخرة، وحَذِروا من الأعمال التي توبقهم والتي تكون سبباً للعذاب.
فهؤلاء المؤمنون هم أهل العقول هم أهل الذكاء هم أهل الفطنة هم الذين لم تقصُر أنظارهم عند الحياة الدنيا، ولا عند شهواتها وملذاتها، ولم يقصُروا أفكارهم على شهوات البطون أو الفروج، ولا على ما تميل إليه النفوس، بل سمت هممهم، وعلت عزائمهم، وتنافسوا في الأعمال الخيرية، واستعدوا للدار الآخرة، وجعلوا دار الدنيا دار ممر وليست بدار مقر، وعبروها ولم يعمروها، وجعلوا عمارتهم ومنافساتهم للآخرة التي هي دار البقاء، وهذا من ثمرة إيمانهم باليوم الآخر.