ذكرتم أن السابقين من المؤمنين كانت أعمالهم أقل من أعمال الذين أسلموا بعد الهجرة، مع أن الله عز وجل قد مدح السابقين في الإيمان، وقدمهم على من أسلم بعد ذلك، فكيف نوفق بين هذا وبين معتقد أهل السنة أن أكثر المؤمنين عملاً أكملهم وأقواهم إيماناً جزاكم الله خيراً؟
الجواب
الذين أسلموا في أول الأمر هم أكثر أعمالاً، حيث إنهم عملوا مثلاً ثلاثاً وعشرين سنة، يعني: منذ أن أسلموا إلى الوفاة، والذين أسلموا أخيراً ما عملوا قبل الوفاة إلا سنتين، فأيهما أكثر؟ لا شك أن الذين عملوا مدة طويلة أكثر، فهذا وجه من أوجه تفضيل السابقين الأولين.
ووجه ثاني: أن الأولين السابقين الذين أسلموا قبل الشرائع أسلموا في حالة قلة وذلة، وتحملوا المشاق والتعب، وهم الذين أوذوا في الله، وضربوا وحبسوا، وألقوا في الشمس، وألقيت عليهم الحجارة، وأوذوا بالجوع وبالجهد، وتحملوا ذلك، وهذا لا شك أنه زيادة في أعمالهم.
وهم الذين هاجروا في الله وتركوا أموالهم وأولادهم وبلادهم، وعشائرهم وأقوامهم، وتحملوا مشاق الهجرة، وسافروا مثلاً إلى الحبشة، ولا شك أن ذلك أشق عملاً، وكل ما كان العمل شاقاً كان الأجر أكبر، فهذا وجه تفضيلهم.
وأيضاً: هم الذين أسلموا من أول وهلة، أسلموا لأول دعوة، وذلك دليل على قبول قلوبهم، وقبول نفوسهم للإيمان، حيث لم يتلعثموا ولم يترددوا في قبول الإسلام، فدل على صفاء قلوبهم ونقائها مما يكدرها.
وبكل حال فلا شك أن السابقين الذين سبقوا بالإيمان أقوى إيماناً، ولكن المتأخرون الذين أسلموا في سنة ثمان لما أسلموا كانت الأعمال قد كملت، فكان الصيام موجوداً، وكان الحج موجوداً قد فرض، وكان الجهاد قد فرض، وكان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد شرع، وكان القرآن قد نزل كله إلا القليل، فهم كلفوا بأن يعملوا به دفعة واحدة، بخلاف الأولين فإنهم إنما كلفوا بالموجود منه، ما أنزل قبل الهجرة إلا القرآن المكي، وما فرضت الصلاة مثلاً إلا قبل الهجرة، وكذلك التوحيد ونحوه، وما حرمت الخمر في ذلك الوقت ونحو ذلك، فبكل حال هؤلاء عملوا بما أمروا به، فلهم أجر كامل، وهؤلاء عملوا بما أمروا به -أي: بعدما أسلموا في آخر الأمر- فلهم أجرهم.