الفتن التي حصلت بين علي رضي الله عنه وبين أهل الشام وقعت باجتهاد، فأهلُ الشام معذورون حيث إنهم يطالبون بدم عثمان، وأهل العراق معذورون حيث إن علياً رضي الله عنه يطالب بجمع الكلمة، ويقول: بايعوني واجتمعوا معي، ونحن بعد ذلك إذا اجتمعنا ولم نختلف تمكنا من أخذ أولئك القتلة واحداً واحداً، وهي فكرة جيدة؛ ولكن قدر الله ما حصل، وحصل هذا الأمر الذي وقعت بسببه هذه الفتن، فنحن نقول:{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[البقرة:١٣٤] ، ونقول كما قال الشارح: تلك فتنة صان الله عنها أيدينا، فنصون عنها ألسنتنا، فلا نقول: هذا هو المصيب، ولا هذا هو المخطئ، بل نَكِل أمرهم إلى الله تعالى، والله يحكم بينهم، ونعذرهم، ولا نُلحِق بأحد منهم لوماً ما داموا مجتهدين، ونعرف للجميع سبقهم، ونعرف لهم فضلهم وفضائلهم، ونشهد لهم بالخير، ولا نتبرأ من أحد من الصحابة لا من علي ولا من معاوية؛ ولأجل ذلك يقول الكلوذاني في معاوية: ولابن هند في الفؤاد محبة ومودة هل يُرْغَمَنَّ المعتدي ذاك الأمين المجتبى لكتابة الـ ـوحي المُنَزَّل بالتقى والسؤدد فهو من الخلفاء؛ ولكن ليس هو من الخلفاء الراشدين، ولكنه ملك من الملوك، سار سيرة الملوك، ولكنه أحسنهم، أما علي رضي الله عنه فلا شك أنه في زمانه خليفة ذلك الزمان، ولا شك أن فضائله تدل على أقدميته على معاوية وعلى ميزته؛ لأنه من السابقين الأولين، وأما معاوية فهو من مسلمة الفتح، وهو داخل في قوله تعالى:{أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا}[الحديد:١٠] أي: من بعد الفتح {وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}[الحديد:١٠] .