[محبة الصحابة وأهل البيت براءة من النفاق]
قال الشارح رحمنا الله تعالى وإياه: [قوله: (ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه الطاهرات من كل دنس، وذرياته المقدسين من كل رجس؛ فقد برئ من النفاق) .
تقدم بعض ما ورد في الكتاب والسنة من فضائل الصحابة رضي الله عنهم، وفي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً بماء يُدعى: (خماً) بين مكة والمدينة فقال: (أما بعد: ألا أيها الناس، إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثقلين: أولهما: كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به.
فحث على كتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.
ثلاثاً) ، وخرج البخاري عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: ارقبوا محمداً في أهل بيته.
وإنما قال الشيخ رحمه الله: (فقد برئ من النفاق) لأن أصل الرفض إنما أحدثه منافق زنديق قصْدُه إبطال دين الإسلام والقدح في الرسول صلى الله عليه وسلم، كما ذكر ذلك العلماء، فإن عبد الله بن سبأ لما أظهر الإسلامَ أراد أن يفسد دين الإسلام بمكره وخبثه، كما فعل بولِس بدين النصرانية، فأظهر التنسُّك، ثم أظهر الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، حتى سعى في فتنة عثمان وقتلِه رضي الله عنه، ثم لما قدم علي الكوفة أظهر الغلو في علي والنصر له؛ ليتمكن بذلك من أغراضه، وبلغ ذلك علياً فطلب قتله، فهرب منه إلى قرقيس، وخبره معروف في التاريخ، وتقدم أن من فضَّله على أبي بكر وعمر جلده جلد المفتري، وبقيت في نفوس المبطلين خمائر بدعة الخوارج من الحرورية والشيعة.
ولهذا كان الرفض باب الزندقة، كما حكاه القاضي أبو بكر بن الطيب عن الباطنية، وكيفية إفسادهم لدين الإسلام قال: فقالوا للداعي: يجب عليك إذا وجدت من تدعوه مسلماً أن تجعل التشيُّع عنده دينك وشعارك، واجعل المدخل من جهة ظلم السلف لـ علي وقتلهم الحسين، والتبري من تيم وعدي وبني أمية وبني العباس، وأن علياً يعلم الغيب، يفوَّض إليه خلق العالم! وما أشبه ذلك من أعاجيب الشيعة وجهلهم! فإذا أنِسْت من بعض الشيعة عند الدعوة إجابةً ورشداً أوقفتَه على مثالب علي وولده رضي الله عنهم.
انتهى.
ولا شك أنه يتطرق مَن سب الصحابة إلى سب أهل البيت، ثم إلى سب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إذ أهل بيته وأصحابه مثل هؤلاء الفاعلين الضالين] .
بعد أن ذكر المصنف الخلفاء العشرة ذكر بقية الصحابة وذكر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم شيء من فضائل الصحابة جميعاً أو بعضهم كقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:١٨] وكانوا ألفاً وأربعمائة وزيادة رضي الله عنهم.
وكذلك أيضاً قد أخبر تعالى بأنه رضي عنهم في آية أخرى كقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة:١٠٠] والآيات كثيرة كما تقدم، ومن الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُد أحدهم ولا نصيفه) هذا في الصحابة رضي الله عنهم، وما ذاك إلا لأنهم فاقوا غيرهم بالصحبة، متى يدركهم غيرهم؟! متى يصل إلى ما وصلوا إليه؟! لقد سبقونا وسبقوا مَن قبلنا بصحبتهم لنبينا صلى الله عليه وسلم، وبقتالهم معه وجهادهم، وبإيثارهم له، وبإنفاقهم أموالهم في سبيل نصرته، وبالأخذ عنه والتعلُّم منه، وبالقيام بعده بالسنة وتبليغها، وبالجهاد في سبيل الله معه وبعده، متى يدركهم غيرهم رضي الله عنهم؟!