قال الشارح رحمه الله: [وقوله: (والقدر خيره وشره وحلوه ومره من الله تعالى) .
تقدم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام (وتؤمن بالقدر خيره وشره) ، وقال تعالى:{قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا}[التوبة:٥١] ، وقال تعالى:{وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً}[النساء:٧٨] ، وقوله تعالى:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}[النساء:٧٩] الآية.
فإن قيل: كيف الجمع بين قوله تعالى: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}[النساء:٧٨] وبين قوله: {فَمِنْ نَفْسِكَ}[النساء:٧٩] ؟ قيل: قوله: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}[النساء:٧٨] : الخصب والجدب والنصر والهزيمة كلها من عند الله، وقوله:{فَمِنْ نَفْسِكَ}[النساء:٧٩] أي: ما أصابك من سيئة من الله فبذنب نفسك عقوبة لك، كما قال:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}[الشورى:٣٠] يدل على ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ: (وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك) والمراد بالحسنة هنا النعمة، وبالسيئة البلية، في أصح الأقوال، وقد قيل: الحسنة الطاعة، والسيئة المعصية، وقيل: الحسنة ما أصابه يوم بدر، والسيئة ما أصابه يوم أحد، والقول الأول شامل لمعنى القول الثالث، والمعنى الثاني ليس مراداً دون الأول قطعاً، ولكن لا منافاة بين أن تكون سيئة العمل وسيئة الجزاء من نفسك، مع أن الجميع مقدر، فإن المعصية الثانية قد تكون عقوبة الأولى، فتكون من سيئات الجزاء، مع أنها من سيئات العمل، والحسنة الثانية قد تكون من ثواب الأولى، كما دل على ذلك الكتاب والسنة] .