للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على من يطعن في تاريخ المسلمين]

السؤال

هذا سائل إما أن يكون جاهلاً بأحكام الإسلام أو إنسان طمع في الدنيا وزهد في الجنة، وتذرع بالإسلام ظاهراً، ويصدق عليه النفاق، يقول: لو استعرضنا تاريخ المسلمين منذ عهد الخلفاء الراشدين نجد أنه يغلب عليه الظلم والفساد والطغيان، بل إن الخلفاء الراشدين ماتوا قتلاً، ومعنى ذلك أن الإسلام لم يصلح التابعين له، وكذلك انتشار الإسلام في العصور الحديثة تجد أن حال المسلمين كحال سابقيهم في العصور السابقة، أسوأ دول العالم، حتى إن عمر بن عبد العزيز الذي غلب عليه العدل في خلافته قتل، ما هو الخلل؟ هل هو في المنهج أم في الإنسان؟ وقال كذلك في سؤال آخر: المتأمل لتاريخ المسلمين يجد أنه عصر فتن وقتل وحروب من بعد الخلفاء الراشدين إلى عصرنا الحاضر، والواقع يشهد بذلك.

والسؤال: هل هناك خطأ في منهج الإسلام فيكون الخلل في الفقه الإسلامي أم الخطأ في فهم علماء الشريعة للإسلام! فنرجو من فضيلتكم الرد عليه بارك الله فيكم؟

الجواب

نقول: الخطأ في فهمك أيها السائل، فهمك بعيد عن الواقع؛ وذلك لأنك -والله أعلم- لم تقرأ التاريخ كما هو، ولم تتتبع أحوال الإسلام ولا أحوال المسلمين، ويظهر أنك انخدعت بدعايات المضللين، أوأنك قرأت في كتب أعداء الدين، أو أنك نشأت في بلاد يظهر فيها عداء الإسلام، وإظهار الضغائن أو إضمارها للإسلام والمسلمين، ولو نشأت بين مسلمين وعرفت أخبار المسلمين، وكذلك تتبعت أحكام المسلمين، وعرفت أهدافها، وكذلك قرأت تاريخ السابقين الأولين؛ لما خطر ذلك بقلبك، ولما وجهت بهذا السؤال الذي يدل على حيرة في نفسك، أو يدل على ضغينة وحقد وبغض للإسلام والمسلمين والعياذ بالله.

نعود فنقول: كلنا -غالباً- قرأنا أو سمعنا تاريخ الخلفاء الراشدين، وكذلك تاريخ الصحابة وسيرهم وأحوالهم، فهل هذا السائل قرأ سيرهم كما ينبغي؟ أليس فيها الفتوحات؟ متى حصلت هذه الانتشارات للإسلام؟! امتد الإسلام في عهدهم، وحصلت الانتصارات التي ليس لها مثيل في عهد الخلفاء الراشدين، وامتدت الفتوحات والظفر للإسلام والمسلمين، أين هذا السائل عن تتبع تلك الوقائع وتلك الغزوات التي أيد الله بها الإسلام وقوى بها المسلمين؟! هذا لا يظهر أنه قرأه ولا خطر بباله.

كذلك أيضاً لا شك أنه لو قرأ سيرة الخلفاء وزهدهم وورعهم وتقشفهم واهتمامهم بالدين، واهتماهم بالعبادة، واهتمامهم بأمر الأمة، وحرصهم على رعايتها، وعلى مصالحها؛ لما خطرت بقلبه هذه الخطرات السيئة، وكذلك لم يقرأ تراجم علماء الأمة من صدر هذه الأمة من التابعين وتابع تابعيهم، الذين فيهم علماء حملوا العلم، وذبوا عنه كل ما هو دخيل عليه، هذا السائل لم يقرأ تراجمهم، ولم يعلم فيهم من النفع، وما لهم من المقامات النافعة، والأماكن التي نصروا فيها الإسلام، ونشروا فيها العلم، ونشروا فيها الدين، وكذلك قيامهم بالعبادات، وزهدهم وورعهم، وتقشفهم مما يدل على رغبتهم في الآخرة، وعدم ميلهم إلى الدنيا، ولا إلى حظوظها؛ كل هذا لم يلتفت إليه السائل.

أما كونه ادعى أنههم ماتوا قتلاً فليس في ذلك نقص عليهم، ولا شك أنهم قتلوا وذلك كرامة لهم، أما أبو بكر فمات على فراشه، وقد قيل: إنه سقي سماً، ولا يستنكر أن يكون بعض أهل الحقد وأهل النفاق دس إليه السم، وتلك كرامة له حتى يموت شهيداً، وهكذا عمر قتله أبو لؤلؤة المجوسي، ثم قتل عثمان، بسبب خلافات بين الأمة، حصل أن بعضاً من الأعراب وجدوا على عثمان بعض الوجد، فثاروا عليه وقتلوه، ثم حصلت الفتنة بين أهل الشام وأهل العراق، تقاتلوا فيها لأجل الانتصار لـ عثمان أو لأجل تثبيت الملك وتثبيت الولاية، وتلك دماء صان الله عنها أيدينا فنصون عنها ألسنتنا.

ثم بعد ذلك استتب الأمن، وانتشر الإسلام، وتمادت الفتوحات في ذلك الزمان، واستمر المسلمون يفتحون البلاد شرقاً وغرباً، فكيف يقال بعد ذلك: إن المتأمل للتاريخ يرى فيه ما ذكره هذا السائل؟! وعلى كل حال: نبرأ إلى الله من هذا الاعتقاد، ونسأله ألا يجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، وأن يغفر لنا خطايانا.