عمدة أهل السنة والجماعة على النصوص، وإذا فكرنا فيها وجدناها موافقة للعقول، ولا يمكن أن يكون هناك نص صحيح ثابت، ومع ذلك يخالف العقل الصريح الذي سلم من الشبهة.
ولأجل ذلك جمع العلماء -ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية - بين النصوص الصحيحة الثابتة وبين صراحة العقل، فألف ابن تيمية رحمه الله كتاباً في ذلك اسمه: موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول، صحيح المنقول يعني: الأحاديث المنقولة الصحيحة، لصريح المعقول، وسمي في الطبعة الأخيرة: درء تعارض العقل والنقل، يعني: دفع التعارض بين العقل والنقل، فالعقل الفطرة، والنقل الأحاديث الثابتة الصحيحة، فبين أن كل الآيات الصريحة لا تخالف العقول الصريحة، ولكن أولئك الذين اعتمدوا عقولهم لا شك أنهم ممن خربت عقولهم، وخربت فطرهم، لماذا؟ لأن الانحراف والزيغ -والعياذ بالله- هو الذي سبب لهم هذا الانحراف والبعد عن الصواب، فصارت قلوبهم مضطربة.
وقد مر بنا في هذا الكتاب أن نهاية أولئك المتكلمين ونحوهم الحيرة، نقل الشارح عن بعضهم قوله: نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلال ويقول الآخر: لقد خضت البحر الخضم، وتركت أهل الإسلام وعلومهم، وخضت في الذين نهوا عنه، والآن إن لم يتداركني الله برحمته، وإلا فالويل لـ ابن الجويني، وها أنا أموت على عقيدة أمي.
فدل على أن عقولهم مضطربة، ما استفادوا فائدة معتمدة، يقول شاعرهم: ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا قيل وقالوا هذا بحثهم، فإذا كانت هذه غايتهم فكيف مع ذلك تعتمد عقولهم، ويركن إلى أن تلك العقول ترد بها الآيات والأحاديث.