الله سبحانه وتعالى قائم على هذه المخلوقات، ولأجل ذلك سمى نفسه بالقيوم، يعني: القائم على خلقه، ومعلوم أن القائم على خلقه هو الذي يراقبهم وهو الذي يرعاهم ويكلؤهم وهم نائمون، قال تعالى:{قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ}[الأنبياء:٤٢] أي: الرحمن هو الذي يكلؤكم، يعني: يحفظكم ويراقبكم، فإذا كان كذلك فإنه الذي يرعى عباده، ولا يعتريه نوم ولا نقص ولا سنة ولا غير ذلك؛ لأنه الذي يمسك هذه المخلوقات، قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ}[الحج:٦٥] ، إلى قوله:{وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ}[الحج:٦٥] أي: هو الذي يمسكها بقوته وبخلقه وبتمكينه، وقال تعالى:{يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}[فاطر:٤١] أي: هو الذي يمسكهما حتى لا يضطربا ولا يزولا، فإذا كان كذلك فإنه الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون، وقد حكم الله بالفناء على كل من سواه، فقال تعالى:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن:٢٦-٢٧] ، هذا دليل الحياة التي لا يعتريها نقص ولا تغيير، وبلا شك أن النوم نقص، ولذلك يسمى: أخا الموت، النوم موتة صغرى، ولذلك قال تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا}[الزمر:٤٢] ، فذكر أنه يتوفاها في منامها، فالنوم شبه الموت، ولأجل ذلك نفاه عن نفسه ونفى أيضاً مقدماته؛ لقوله تعالى:{لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ}[البقرة:٢٥٥] والسنة: هي النعاس أو النوم الخفيف.
يعتقد المسلمون أن الله موصوف بصفات الكمال كالحياة الكاملة والقيومية الكاملة، وقد وافقت الأشاعرة على وصف الله تعالى بالحياة، ولكنهم رجعوا في إثباتها إلى العقل، يقولون: إنما أثبتناها لدلالة العقل عليها، وكأنهم لم يعتبروا دلالة الشرع الواضحة، دلالة النصوص من الآيات والأحاديث ونحوها.
الحديث الذي مر بنا حديث مشهور وهو قوله صلى الله عليه وسلم:(إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور -أو النار- لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) ، فابتدأ الحديث بنفي هذا النقص وهو النوم عن الله سبحانه وأنه لا ينبغي له أن ينام، هذه عقيدة المسلمين، وبلا شك أن الذي يعتقد أن ربه حي لا يموت وأنه قيوم لا ينام وأنه لا يعتريه تغير، هو الذي يكون قد قدر ربه في قلبه وعظمه على كل شيء؛ فيعبده حق العبادة.