للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حب أهل السنة للصحابة ومعرفتهم لفضلهم]

نحمد الله أن جعلنا مسلمين، وجعلنا متحابين في ذات الله، نحب أهل الخير متقدِّمهم ومتأخرهم، ونعترف لهم بالفضل، ونعترف لهم بالسبق إلى الخير، ونمتثل قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً} [الحشر:١٠] أي: حقداً {لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠] .

ولا شك أن هذا وصف المؤمنين في كل زمان، فهم يعترفون لمن سبقهم من أهل الإيمان بالفضل والخير، ولا شك أن أفضل مَن سبق وأول مَن سبق هم أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم، فنحبهم من كل قلوبنا، وهذا وصف أهل السنة، يقول شيخ الإسلام في عقيدته: حب الصحابة كلهم لي مذهب ومودة القربى بها أتوسلُ ولكلهم فضل وقدر ساطع لكنَّما الصديق منهم أفضلُ نحبهم لأنهم السابقون إلى الخيرات، ونحبهم لأنهم حفظوا على الأمة دينها وشريعتها، ونحبهم لفضلهم وشرفهم، ونحبهم لقرابة أكثرهم -سيما الخلفاء الراشدون- من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في الحديث أن العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له أن بعض قريش يجفو بني هاشم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي) ، فجعل المحبة لله مقدمةً ثم المحبة لقرابته أي: قربهم منه كعمه وبني عمه ونحوهم.

ومعلوم أننا ما أحببناهم لمجرد القرابة، فقد كان هناك من هو أقرب منهم كـ أبي لهب وأبي طالب وغيرهما ممن ماتوا على الكفر، ومع ذلك نمقتهم ونبرأ من أعمالهم، هذه هي عقيدتنا، أما من آمن به ولو كان بعيداً من نسبه، وصدَّقه واتبعه؛ فإنه محبوب إلى كل مسلم تقي من أهل السنة والجماعة.

ومحبتنا للصحابة لا تصل إلى الغلو كعادة الذين يغلون في بعض الصالحين، فالرافضة أوصلهم الحب لآل البيت إلى الغلو بحيث اعتقدوا في أئمتهم الاثني عشر نوعاً من الألوهية، وأعطوهم شيئاً من التصرف في الكون، وصاروا يطلبون منهم ما لا يقدر عليه إلَّا الله، ويصفونهم بأوصاف لا يستحقها إلَّا الله.

أما أهل السنة فأحبوا الصحابة، وأحبوا قبلهم نبيهم صلى الله عليه وسلم، ولم يغلوا في أحد منهم، ولم يعطوه شيئاً من حق الله، بل اعتقدوا أنهم بشر، وأنهم مخلوقون، وأن فضلهم إنما هو بالأعمال الصالحة، وأن محبتهم إنما تحمل على اتباعهم، وعلى العمل بمثل أعمالهم، وهكذا محبة كل مؤمن، فإذا أحببنا الأئمة ودعاة الخير ومشايخنا وعلماء الأمة فهذه المحبة تحمل المحب على أن يقتدي بالمحبوب، وعلى أن يحرص على أن يفعل كأفعاله، وبذلك يكون صادق المحبة، فأما أن تحمله محبته على أن يعطيه شيئاً من حق الله، فإن هذا غلو وإطراء داخل في فعل النصارى، وهو منهي عنه، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله) وصفة العبودية للنبي صلى الله عليه وسلم صفة شرف، وكذلك صفة العبودية للصحابة صفة فضل وشرف، وكذا صفة العبودية لنا صفة شرف، فأنت تفرح إذا نُسِبت إلى أنك عبدٌ لله، وكذا أنبياء الله، قال تعالى: {لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء:١٧٢] لا يستنكفون أي: لا يأنفون ولا يتكبرون عن العبودية، فكذا الصحابة لا يتكبرون عن العبودية، وكذا أقارب النبي صلى الله عليه وسلم لا يتكبرون عن العبودية، بل يفتخرون بها، وهذا هو الواجب في اعتقادنا نحوهم.

وقد مر بنا في هذه العقيدة قول أهل السنة في الصحابة وفي الخلفاء، وأن أفضلهم: الخلفاء الأربعة، وأفضل الصحابة: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وأنهم هم الخلفاء الراشدون، وتكلم العلماء في خلافتهم فقالوا: إن الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم بعده عمر، ثم عثمان، ثم علي، ومن طعن في خلافة واحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله كما قال ذلك شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية.

وكذلك تكلموا في فضلهم، فاتفقوا على فضل الشيخين أبي بكر وعمر، واختلفوا في عثمان وعلي أيهما أفضل؟ فقدم قوم عثمان وربعوا بـ علي، أي: جعلوه هو الرابع في الفضل، وقدم قوم علياً، وقوم توقفوا، هكذا ذكر شيخ الإسلام في الواسطية، وذكر أن مسألة التقديم بين عثمان وعلي ليست من المسائل التي يُضَلَّل مَن خالف فيها، وإنما التي يُضَلَِّل فيها مسألة الخلافة، فهناك فرق بين مسألة الخلافة ومسألة الفضل، فقد اتفق أهل السنة على أنهم مرتبون في الخلافة، واتفقوا على أن ترتيبهم في الفضل أن يقدم أبو بكر ثم عمر، واختلفوا هل علي يلي عمر في الفضل ثم عثمان بعده أو بالعكس؟ وأكثر العلماء على أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة، وهذا هو الذي نعتقده؛ وذلك لأنهم لا يتفقون على خطأ، وقد اتفقوا على تقديم عثمان في الخلافة، فدل ذلك على أهليته وأفضليته.