وتقدم الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم:(من لم يسأل الله يغضب عليه) ، ونحن نحب رضاه، ورضاه يتوقف على أن نسأله ونستعينه عند العجز، ونستنصر به عند الخوف، نطلب منه أن يؤمننا وأن يغنينا، وأن يعزنا، وأن يغفر لنا، ونطلب منه كل حاجاتنا، ونرغب عمن سواه من ذكر وأنثى، من صغير وكبير، ونجعل رغبتنا إليه سبحانه.
وتقدم ذلك البيت الذي نظم به ذلك الحديث، وقبله يقول الشاعر: لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب الرب يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب يقول بعضهم: لو أنك مشيت مع إنسان، وأخذت كل ساعة تقول له: أعطني حفنة تراب أعطني حفنة تراب، أليس يضجر منك ويمل ويقول: أتعبتني؟! لا شك أنه يكلفه، مع أن التراب موجود، ولكن قد يتكلف أن ينحني ويأخذ التراب، ثم يناولك وأنت -مثلاً- راكب أو نحو ذلك، لو سئلوا تراباً لملوا، فكيف إذا سئلوا شيئاً يملكونه، أو لهم فيه سبب من الأسباب، ولأجل ذلك على الإنسان أن يعلق رجاءه بربه، ويطلب منه حاجاته كلها، ولا يسأل غيره، يقول بعضهم: لا تجلسن بباب من يأبى عليك دخول داره وتقول حاجاتي إليه يعوقها إن لم أداره واتركه واقصد ربها تقضى ورب الدار كاره فإذا قصدت الرب سبحانه وتعالى، وأنت صادق مخلص، قضى حاجتك، سواء كانت متعلقة بإنسان، أو متعلقة فيما بينك وبين الرب.
ذكروا أن إبراهيم بن أدهم رحمه الله اشتكى إليه بعض أصحابه جوعاً نزل به؛ لأنهم لا يكتسبون، عند ذلك نظم أبياتاً يقول في أولها: أنا حامد أنا شاكر أنا ذاكر أنا جائع أنا حاسر أنا عاري هي ستة وأنا الضمين بنصفها فكن الضمين بنصفها يا باري لم يتعلق إلا بربه، فكتب هذه الأبيات، ولما اطلع عليها بعض الذين من الله عليهم، أعطاهم ما يسد حاجتهم، فالرب هو الذي يسر لهم هذا الرزق بواسطة هذا الإنسان، ولم يسألوا أي إنسان، وإنما علقوا قلوبهم بربهم.
إذاً فنقول: على الإنسان أن يجتهد في دعائه لله سبحانه وتعالى، وأن يسأل ربه كل حاجاته، ولا يترك حاجة يظن أنه سيحتاج إليها في يوم من الأيام إلا ويسألها ربه، يقول بعض العلماء: سل الله كل شيء حتى ملح طعامك، وذلك لأنك بحاجة إلى أن يمدك ربك بكل شيء، فأنت مأمور أن تفعل السبب، ومع ذلك تعرف أن الله تعالى هو الذي ييسر لك هذه الأشياء ويجعلها مفيدة ومؤثرة.
والأدلة على أهمية الدعاء كثيرة، منها قول الله تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر:٦٠] ، ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الدعاء هو العبادة) ، وقرأ هذه الآية، فجعل الدعاء عبادة، ومثل ذلك أيضاً قول الله تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف:٥٥-٥٦] .