أهل السنة هم المتمسكون بكتاب الله تعالى وبأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم، ومنهم الأئمة الأربعة، ومنهم الهداة الذين هدى الله تعالى بهم خلقاً كثيراً في صدر هذا الإسلام، وإن كانوا يقلون في بعض الأزمنة، ويكثر المبتدعة، ففي زماننا قد يكون المتمسكون بالسنة حقاً قلة في البلاد، ويصدق على هذا الزمان أنه زمان الغربة، الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:(بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء، قيل: من الغرباء؟ قال: الذين يصلحون عند فساد الناس) ، وفي رواية:(الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي) ، وفي بعض الروايات:(الذين يفرون بدينهم من الفتن) ، فإذا وقعت الفتن والاختلافات والبدع في بلاد هربوا ونجوا بدينهم، وفي رواية:(النزاع من القبائل) ، يكون من الأسرة واحد أو اثنان، من القبيلة عشرة أو خمسة، من البلدة عشرة أو عشرون، والبقية مخالفون لهم، أو ينتقدونهم، فهؤلاء هم الغرباء، فطوبى للغرباء.
ولكن لا يضر الحق قلة أهله، فالعبرة بالمتمسكين بالحق، والعبرة بالأدلة، وليس العبرة بكثرة الهالكين، وذلك لكثرة الأسباب التي تحرف الناس وتصرفهم عن الحق؛ لكثرة الفتن، ولكثرة المغريات، ولكثرة الدعايات المضللة.
إذاً: لا عجب -مع كثرة هذه المغريات- من كثرة الهالكين، كما قال بعض السلف: ليس العجب ممن هلك كيف هلك، إنما العجب ممن نجا كيف نجا! يعني: مع كثرة الفتن، ومع كثرة الدعايات والمضللات يستغرب أن هذا الإنسان يمن الله عليه بالهداية، ويوفقه للتمسك بالشريعة، ويعض عليها بالنواجذ، مع كثرة من يخذله ويؤنبه ويوبخه ويرميه بالرجعية، ويرميه بالتقهقر والتأخر، ويرميه بالتزمت والتشدد والغلو، وما أشبه ذلك، ولكن إذا رزقه الله إخلاصاً، وتمسك بالحق، وصمد عليه؛ فلا يضره ذلك، وسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً.
أهل السنة في كل زمان يرميهم أهل البدع بالشذوذ، ويرمونهم بالتغفيل، ويرمونهم بالأسماء التي ينكرون بها، فيقولون لهم: مشبهة، ومجسمة، وحشوية، ونوابت، وغثاء، وغُثُر، ونحو ذلك من الأسماء التي ابتدعوها وما أنزل الله بها من سلطان، ولا تنطبق عليهم، وإنما تنطبق على أعدائهم، فلا تضرهم هذه الألقاب.
إذاً: لا عبرة بمن خالفهم، إنما العبرة بمن وافق الحق وتمسك به، فالحق حق ولو قل المتمسكون به، والباطل باطل ولو كثر المعتنقون له، إنما العبرة بالدليل، ولا شك أن حجة الله تعالى قوية، وأن من احتج بالدليل الواضح فإنه غالب ولو صمد أمامه الناس، وقد مضت لنا أدلة عقلية وأدلة نقلية تبين صحة ما عليه أهل الحق.