[اعتماد أهل السنة في العقائد على الكتاب والسنة ومخالفة غيرهم لهم]
فقد عرفنا أن معتقد أهل السنة والجماعة الاعتماد على كتاب الله عز وجل، وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في الإيمان بالغيب، والإيمان بالله وبأسمائه وصفاته، والإيمان بما أخبر الله به مما بعد الموت، فيرجعون في ذلك إلى هذه الأدلة؛ لقطعهم بصحتها وثبوتها، ولقطعهم بصراحتها ومعرفة مدلولها.
معلوم أن الله تعالى خاطب العرب بما يفهمون، وأنزل عليهم القرآن بلسان عربي مبين، وهم فصحاء يفهمون المراد، ويعقلون المعاني، ويسمعون وينظرون، ومعلوم أنهم تقبلوا تلك النصوص التي جاءتهم بها الرسل، وأنهم وثقوا بأن معناها مراد، وأنها ليست ألفاظاً جوفاء، بل هي ألفاظ لها معانٍ، وعرفوا أنه مطلوب منهم فهمها، وتعقل معناها؛ ذلك لأن الله تعالى يأمر بتعقل هذا الكتاب، يقول الله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء:٨٢] ، {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنون:٦٨] ، {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:٢٩] ، والتدبر: هو التعقل.
ولو كانت لا معاني لها، أو لا يجوز اعتقاد معناها، وإنما يتعبد بألفاظها، لما أمرنا بالتدبر، ولما أمرنا بالتفهم.
وقد ثبت -أيضاً- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أمته ما يخفى عليهم بقوله وبفعله، فكان يبين لهم المعاني التي اشتملت عليها الآيات من الأمور الغيبية ونحوها، وكان يخبرهم بما ورد في القرآن، فيخبرهم بشرح أمور الآخرة، وبشرح أسماء الله وصفاته، ويخبرهم بما يطلب منهم، وبما يعفى عنهم.
ومعلوم -أيضاً- أن الصحابة رضي الله عنهم عرب فصحاء، ذوو فهم ومعرفة، ولو كانوا لم يفهموا ما قال لهم لما نقلوه بلفظه، ولما شرحوا معانيه، ولما اعتقدوا مدلولاته.
وأيضاً: لو كانوا أمروا أن يعرفوا منه غير المتبادر لبينوا لتلامذتهم، ولقالوا لهم: لا تعتقدوا ظواهر النصوص، فإنها ظواهر ظنية، لا تفيد اليقين.
فلما لم يقولوا ذلك عرف بأنهم فهموا أنه مطلوب منهم تعقلها واعتقاد مدلولها.
فهذا هو مذهب أهل السنة: يقرءون الآيات، ويفهمون معانيها، ويسمعون الأحاديث، ويفهمون معانيها، سواء كانت تتعلق بالآخرة، أو كانت تتعلق بالأسماء والصفات، أو كانت تتعلق بعلم الغيب، أو بالإيمان بالكتاب والبعث والنشور أو ما أشبه ذلك، كل ذلك يعرفونه ويعتقدون مدلوله.
إذا قرءوا ما يتعلق بالبعث اعتقدوا حقيقة أنه سيحصل البعث والنشور والجزاء والعذاب والثواب.
إذا قرءوا ما يتعلق بصفات الله اعتقدوا أن هذه النصوص دالة على علو الله وارتفاعه فوق خلقه، ودالة على قربه واطلاعه على خلقه، ودالة على علمه بكل شيء، ودالة على سمعه وبصره وقدرته التامة، ودالة على مراقبته لخلقه في كل أعمالهم وأحوالهم.
وإذا قرءوا ما يتعلق بعموم قدرة الله اعتقدوا أن الله قادر عليهم، وأنه خالق كل شيء، وأنه المتصرف في الخلق، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، هذه مدلولات النصوص يعتقدونها كما هي.
والدليل على ذلك: أنهم نقلوا ذلك، وكتبوه في مؤلفاتهم، ومن جملة ذلك ما كتبه صاحب هذا المتن الذي هو الطحاوي، وقبله الأئمة، فكتب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله رسائل تتعلق بالعقيدة، وكتب ابنه عبد الله بن أحمد رسالة في السنة، وكتب -أيضاً- زميله ابن أبي شيبة رسالة تتعلق بالإيمان، وهي رسائل موجودة مَنَّ الله بحفظها حتى وصلت إلينا، ولم تتغير.