[انتفاع الأموات بدعاء الأحياء وبما تسببوا به من أعمال]
هذه الأعمال التي يهديها إليهم الأحياء إما أن تكون أعمالاً بدنية، أو أعمالاً قولية، أو أعمالاً مالية، فالأعمال البدنية: كالصلاة، والصوم، والطواف وما أشبهها، والأعمال المالية: كالصدقات، والنفقات، والأضاحي وما أشبهها، والأعمال القولية: كالدعاء، والذكر، والاستغفار وما أشبهها.
ولا شك أنهم ينتفعون بدعاء الأحياء لهم، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ}[الحشر:١٠] ، نحن ندعو بهذا للذين سبقونا بالإيمان ولو لم نعرفهم، ولو كان بيننا وبينهم مائة سنة أو مئات أو ألوف السنين، فدل ذلك على أنه مشروع، وأنه ينفعهم، وسيأتينا أنهم ينتفعون بالصلاة عليهم، فالصلاة على الميت هي أول شيء يزود به الميت، ولو لم يكن له أجر ونفع فيها لم تشرع، إذاً هذا من الذي ينتفعون به، وهو الدعاء لهم.
كذلك الأعمال التي كانوا سبباً فيها، يبقى لهم أجرها، فإذا تصدق أحدهم بصدقة، واستمرت تلك الصدقة، فإن الأجر مستمر، وذلك مثل: الأحباس والأوقاف التي ينتفع بها، فهذه يصل أجرهم إليهم، وهكذا البيوت التي ينتفع بها كالمساجد، فإذا بنى مسجداً فإنه يأتيه أجره ولو بعد موته بمائة سنة أو أكثر، ما دام يصلى في هذا المسجد، وهكذا إذا بنى مدرسة لتحفيظ القرآن، أو لطلب العلم النافع؛ فإن ذلك -أيضاً- يجري عليه أجره، وهو معنى قوله:(صدقة جارية) .
وكذلك غلات الأوقاف، فإذا جعل غلة هذا الوقف في صدقات أو في جهاد -يعني: في أسلحة للمجاهدين ونحوهم- كان ذلك من النفقة النافعة التي يأتي إليه أجرها بعد موته، وكذلك إذا كان قد ورث علماً ينتفع به، إذا ألف كتباً كتبها، وجعل فيها علوماً نافعة، فإنه ما دام يُقرأ فيها، ويدعى لمن ألفها وكتبها، فلا شك أن ذلك مما يستمر أجره عليها.
وهكذا إذا نشر علماً: فكتب أو طبع مصاحف ونشرها، أو كتب علم طبعها وأنفق عليها ونشرها، وصارن ينتفع بها وتقرأ، ويدعى لمن نشرها، لا شك أن ذلك من النفقات المالية التي يستمر أجرها له بعد موته.
وكذلك كل إنسان كان متسبباً في عمل من الأعمال النافعة، ذكروا من ذلك الأحباس التي في الطرق ينتفع بها، كالمياه التي يشرب منها أبناء السبيل ونحوهم، وحفر الآبار التي ينتفع بها المارة ونحوهم، وإجراء الأنهار، وإصلاح الطرق التي يمر بها المسلمون وينتفعون بها، وإضاءتها -مثلاً- إذا احتاجت إلى إضاءة وتنوير، وجعل المرافق فيها كالمياه وما ينتفع به كل ذلك من الأعمال الخيرية التي إذا فعلها احتساباً كان له أجر.
وهكذا إذا جعل غلته في تجهيز الأموات، وحفر القبور، وتحنيط الميت وتغسيله، وقيمة الأكفان وما أشبهها، فإن ذلك من الأعمال الصالحة، فيستمر له أجر ذلك ولو بعد موته بعشرات السنين؛ وذلك لأن هذا مما أنفق فيه.