من عقيدة أهل السنة أن الجنة والنار موجودتان الآن، وإن كنا لا نعلم جهتها ولا مكانها، فإن علمنا قاصر، ما نحيط إلا بالأرض وبما على الأرض، ولكن الجهات كثيرة لا يعلمها إلا الله، ففي يوم القيامة يجاء بجهنم، قال الله تعالى:{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ}[الفجر:٢٣] ، وذكر في الحديث:(تجيء الملائكة بجهنم، ولها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها) ، أولئك الملائكة قد يكون أحدهم قادراً على قلع الجبال وجرها بإذن الله، ومع ذلك هذا عددهم، فما مقدارها؟! فإخبار الله تعالى بأنه يجاء بها في يوم القيامة، دليل على أنها موجودة.
وكذلك الجنة موجودة أيضاً، وتبرز يوم القيامة، يقول الله تعالى:{وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ}[الشعراء:٩٠-٩١] ، فأزلفت؛ معناه: قربت وأظهرت، ولا شك أن هذا دليل على أنها موجودة وأنها تبرز، ويقال: هذه الجنة دار المتقين.
وأظهرت النار لأهلها، {وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ}[الشعراء:٩١] ، ولا شك أن إبرازها دليل على أنها موجودة الآن، وكذلك الآيات التي سمعنا، مثل قول الله تعالى:{أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:١٣٣] أي: هيئت فهي معدة لهم، وقال في النار:{أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}[البقرة:٢٤] ، أي: هيئت لهم، وهذا دليل على أنها موجودة، وأنها قد أعدت لأهلها.
وكذلك قوله في الجنة في سورة النجم:{عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى}[النجم:١٤-١٥] دليل على أن الجنة فوق السماء السابعة حيث يشاء الله، فهي موجودة الآن، وذكر الله سعتها في قوله:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:١٣٣] ، فهذه صفتها، ومعنى (أعدت) أي: هيئت لهم.
وتقدمت الأحاديث التي فيها أن الجنة موجودة، وأنه يقال للعبد في قبره:(افتحوا له باباً إلى الجنة، فيأته من روحها وريحانها؛ فيقول: رب! أقم الساعة، ويقال للكافر: افتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها؛ فيقول: رب! لا تقم الساعة) ، وهذا دليل أيضاً على أنها موجودة، وأنه يفتح له باب إليها، ويقال: هذا مقعدك من الجنة، هذا مقعدك من النار، وهذه الأدلة واضحة.