للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سعة الحوض وبعض أوصافه]

والحوض الذي أعطاه الله نبينا صلى الله عليه وسلم في الآخرة هو نهر ليس مصنوعاً من جلود ولا من أوانٍ، والله أعلم بما صُنع منه، ولكنه ممتد، وقد روي أنه (مسيرة شهر في شهر) يعني: طوله مسيرة شهر وعرضه مسيرة شهر بالسير المعروف في ذلك الزمان، وقُدِّر في بعض الروايات بأنه من صنعاء إلى أيلة، وصنعاء عاصمة اليمن، وأيلة مدينة في الشام، يعني: طوله من ذلك المكان إلى ذلك المكان، وفي بعض الروايات أنه (من صنعاء إلى عدن) ، وكلتاهما معروفتان في اليمن، ولعل ذلك باختلاف جهاته.

وعلى كل حال فإنه على هذا حوضٌ واسع ممتلئ ماءً، وورد في هذه الروايات أنه يشخب فيه ميزابان من الجنة أو من الكوثر، أي: يصب فيه ميزابان من الجنة، وأن فيه آنية -الآنية الكئوس التي يُشرب بها- وآنيته عدد نجوم السماء في الكثرة، ولا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.

يرد عليه المؤمنون، ويُذاد عنه المنافقون، وأخبر بأنه يرِد عليه أناس فيعرفهم، فإذا أقبلوا إليه وعرفهم اختلجوا دونه، وحيل بينه وبينهم، فيقول: أصحابي -يعني: ممن أسلموا معي وعرفتهم- فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.

يعني أنهم إما من المرتدين، وإما من المنافقين، وإما من المتسمين بالإسلام وليسوا بمسلمين، أما المؤمن حقاً الذي ثبت على الإيمان سواءٌ من الصحابة أو ممن بعد الصحابة فإنه يرد على ذلك الحوض ويشرب منه شربة هنيئة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة، وذلك لما جعل الله في ذلك الماء من الشفاء، ولما جعل فيه من اللذة، إذ كان ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل الذي هو غاية في الحلاوة وفي اللذة، وأن الشربة منه لا يعدلها شيء، فيؤمن العبد المؤمن بذلك.

وورد في بعض الروايات أن لكل نبي حوضاً، ولكن نبينا صلى الله عليه وسلم أكثرهم وارداً، أي: أوسعهم حوضاً وأكثرهم وروداً.

يعني: أمته المتبعون له أكثر من غيرهم من الأمم، وذلك لأن الذين صدقوه واتبعوه وحققوا اتباعه لا يحصيهم إلا الله سبحانه وتعالى.