والحاصل أن الكلام على الملائكة الكرام الكاتبين، قال الله تعالى:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ}[الانفطار:١٠-١١] حافظين: يحفظونكم، وكاتبين: يكتبون أعمالكم.
وكذلك قوله تعالى:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:١٦-١٨] ، الرقيب والعتيد: هما الملكان اللذان يكتبان الحسنات والسيئات، أحدهما عن اليمين يكتب الحسنات، والثاني عن الشمال يكتب السيئات، وذكروا أن الذي على اليمين أمير على الذي على الشمال، فإذا عمل سيئة قال له: لا تكتبها رجاء أن يتوب ويستغفر، فإذا استمر عليها كتبت سيئة، وإذا عمل الحسنة كتبها صاحب اليمين عشر حسنات، كما ورد ذلك في الحديث وفي القرآن.
فهؤلاء هم الحفظة للأعمال وللأقوال، يكتبون كل ما يتكلم به، {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ}[ق:١٨] فما من لفظة يُتلفظ بها إلا وتكتب في سجل هؤلاء الملائكة كتابة الله أعلم بها، قد تكون بالأحرف، وقد تكون بغيرها، فلهم قدرة على الكتابة ولو كانت ما كانت.
وكذلك يكتبون كل الأعمال، ولذلك وصفهم بقوله تعالى:{يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}[الانفطار:١٢] ، أي: كل ما تفعلونه وكل ما يخطر ببال أحدكم، أو يدور في خياله فإنه مكتوب.
وكيف يكتبون أعمال القلب؟ يطلعهم الله على أعمال القلوب، فالأعمال التي تكنها القلوب يثاب عليها العبد أو يعاقب، فيثاب مثلاً على النصيحة، ويعاقب على الحسد والغل والغش، وهو من الأعمال القلبية، ويثاب على الإيمان الذي هو التصديق الجازم، ويعاقب على النفاق الذي هو الشك والريب، وهي من أعمال القلوب، فلابد أن الملائكة تكتبها لقوله:{يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}[الانفطار:١٢] ، فهؤلاء هم الكتبة، ويسمون أيضاً: الحفظة للأعمال.