[من الكهانة الخط في الرمل وضرب الحصى والاستقسام بالأنواء]
الرمّال هو الذي يخط في الرمل، ويدعي معرفة الغيب به، فإذا جاءه إنسان ليستشيره، وقال: هل أفعل هذا أم لا أفعل؟ هل أسافر في هذا اليوم أم لا؟ هل أتزوج هذه المرأة أم لا؟ هل أبيع هذه السلعة بهذا الثمن أم لا؟ يقول: دعني أخط لك، فيأتي بعصا، ويخط خطوطاً كثيرة في الرمل بسرعة حتى لا يعرف حسابها، ثم يرجع فيمحو اثنين اثنين اثنين اثنين حتى ينظر الباقي، فإن بقي خط قال: افعل، وإن بقي اثنان قال: لا تفعل، وهذا بلا شك تدخل في علم الغيب، ما هذه الخطوط؟ وما فائدتها؟ هي لا تدل على صواب، ولا على خطأ، وليست علامة على معرفة الأمور المستقبلة، ولا على صدق هذا، ولا على كذبه.
ومثله أيضاً الضرّاب بالحصى، يجمع عنده حصىً كثيرة، فإذا جاءه إنسان يستشيره، يأخذ منها ويرمي ويرمي إلى أن يجعل حصىً كثيراً متراكماً، ثم يأخذ منه حجرين حجرين حتى ينظر هل يبقى واحد أم يبقى اثنان، فإن بقي واحد تفاءل، وإن بقي اثنان تشاءم، وهو قريب من فعل الرمّال الذي يخط في الرمل، وهؤلاء كلهم من الذين يتدخلون في الأمور الغيبية، ولا شك أنهم يقولون على الله ما لا يعلمون، وأنهم يدعون معرفة الغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله.
وكذلك المستقسم بالأزلام، وهي عبارة عن حجارة كان أهل الجاهلية يستقسمون بها، فأبطلها الإسلام، قال الله تعالى:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}[المائدة:٩٠] ، فجعلها رجساً، والرجس: هو النجس، وقال تعالى لما ذكر المحرمات:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ}[المائدة:٣] إلى قوله: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ}[المائدة:٣] ، كان أهل الجاهلية يجعلون هذه الأزلام في كيس، فإذا أرادوا أمراً من الأمور استقسموا، فجاءوا إلى ذلك الكيس فنقضوه، ثم أخرجوا منه واحداً، فإن خرج الذي يقول له: افعل؛ فعلوا، وإن خرج الذي يقول: لا تفعل؛ تركوا، وإن خرج المهمل الذي ليس فيه شيء؛ أعادوا تقليبها مرة ثانيةً، وهكذا؛ فأبطل الله تعالى ذلك، وفي الحديث:(أنه صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة، ورأى المشركين قد صوروا صورة إبراهيم وإسماعيل وهما يستقسمان بالأزلام، فدعا بماء فمحا الصورة، وقال: قاتل الله المشركين.
والله ما استقسما بها قط) يعني: أن الله نزه إبراهيم وإسماعيل عن أن يعملا هذه الفعلة الجاهلية، فكل هذه من الأمور التي كان يفعلها المشركون، حتى الجهلة في هذه الأزمنة؛ ليتوصلوا بها إلى العلوم المستقبلة.