الصحابة رضي الله عنهم كانوا على العقيدة السلفية، لم يرتد منهم أحد وينكر شيئاً منها، وحاشاهم من ذلك، ولكن حدث في آخر عهدهم بدع، وبعضها أهون من بعض، أهونها البدعة الأولى التي هي بدعة الخوارج، ثم تليها بدعة القدرية، وقد يكون لهم فيها عذر، وكل هذه حدثت في آخر القرن الأول، ولكن أشنعها وأبشعها هي البدعة التي حدثت في أوائل القرن الثاني: بدعة الجهمية.
نشأت في خراسان ببلاد إيران، أول ما وجدت هذه البدعة في تلك الأماكن، فانتشرت انتشاراً خفياً، وفي آخر القرن الثاني تمكنت من بعض النفوس، وتمكنت جداً في أول القرن الثالث، وحصل ما حصل.
وقد تكرر معنا أن من دعاتها، الجعد بن درهم الذي ضحى به خالد القسري يوم العيد، ومن دعاتها أيضاً الجهم بن صفوان، وهو الذي ينتسب إليه هذا المذهب، وقد قتله سلم بن أحوز رحمه الله لبدعته، وورثه بشر بن غياث المريسي، وهو مبتدع على طريقة الجهم، وتمكن من بعض الولاة فقربه، وقبل مقالته كثير من المخدوعين الذين رأوا زخرف قوله فصدقوه، حتى أهلكه الله.
وقد ذكروا أنه لما دفن في مقبرة من مقابر العراق رئي بعض الأموات في المنام وعلى وجهه سفعة من النار أو لفحة منها، فقيل: ما هذا؟ فقال: دفن عندنا بشر المريسي، فنفحت جهنم أو التهبت على ذلك المكان، فنال: منها هذا اللهب والعياذ بالله! ثم ظهر في أواخر القرن الثاني وأول الثالث أحمد بن أبي دؤاد، وهو الذي زين للمأمون الفتنة والدعاء إلى القول بخلق القرآن، ونصر الله الحق وظهر، وخذل الله هذا العدو، بحيث إنه عوقب بإصابته بمرض الفالج في آخر عمره، وبقي ذليلاً مهيناً مهجوراً، لا يحترمه ولا يعظمه أحد، ولما مات لم يوجد من يحمله إلا ثلاثة رجال والرابع امرأة، وكل ذلك تحقير من الله تعالى لأهل الشر ولأهل الأهواء والبدع.
أما أهل السنة فإنهم أعزاء، ولهم النصرة والتمكين، لكن مع الأسف بعد انقراض القرون الثلاثة المفضلة تمكن هذا المذهب، وصار أهل القرن الرابع لا يعرفون غيره إلا ما شاء الله، وبقي أهل السنة مستخفين في القرن الرابع وما بعده، إلى أن أظهر الله الحق على يدي شيخ الإسلام ابن تيمية ومن على طريقته، ولا يزال لله تعالى بقايا من أهل العلم ومن أهل الدين في كل زمان ينافحون ويكافحون عن الدين الحق، ويردون البدع، ويردون على أهلها، وبهم تقوم حجة الله على عباده.