قال الشارح رحمه الله تعالى: [قوله: (ونحب أهل العدل والأمانة، ونبغض أهل الجور والخيانة) .
وهذا من كمال الإيمان وتمام العبودية، فإن العبادة تتضمن كمال المحبة ونهايتها، وكمال الذل ونهايته، فمحبة رسل الله وأنبيائه وعباده المؤمنين من محبة الله، وإن كانت المحبة التي لله لا يستحقها غيره، فغير الله يحب في الله لا مع الله، فإن المحب يحب ما يحب محبوبه، ويبغض ما يبغض، ويوالي من يواليه، ويعادي من يعاديه، ويرضى لرضائه ويغضب لغضبه، ويأمر بما يأمر به، وينهى عما ينهى عنه، فهو موافق لمحبوبه في كل حال، والله تعالى يحب المحسنين، ويحب المتقين، ويحب التوابين ويحب المتطهرين، ونحن نحب من أحبه الله، والله لا يحب الخائنين، ولا يحب المفسدين، ولا يحب المستكبرين، ونحن لا نحبهم أيضاً، ونبغضهم موافقه له سبحانه وتعالى.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم:(ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا الله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار) .
فالمحبة التامة مستلزمة لموافقة المحبوب في محبوبه ومكروهه، وولايته وعداوته، ومن المعلوم أن من أحب الله المحبة الواجبة، فلابد أن يبغض أعداءه، ولا بد أن يحب ما يحبه من جهادهم كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ}[الصف:٤] .
والحب والبغض بحسب ما فيهم من خصال الخير والشر، فإن العبد يجتمع فيه سبب الولاية وسبب العداوة، والحب والبغض، فيكون محبوباً من وجه ومبغوضاً من وجه، والحكم للغالب، وكذلك حكم العبد عند الله، فإن الله قد يحب الشيء من وجه ويكرهه من وجه آخر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل:(وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته، ولا بد له منه) ، فبين أنه يتردد؛ لا أن التردد تعارض إرادتين، وهو سبحانه وتعالى يحب ما يحب عبده المؤمن، ويكره ما يكرهه، وهو يكره الموت فهو يكرهه، كما قال:(وأنا أكره مساءته) ، وهو سبحانه قضى بالموت، فهو يريد كونه، فسمى ذلك تردداً، ثم بين أنه لا بد من وقوع ذلك، إذ هو يفضي إلى ما هو أحب منه] .